كمال ذبيان _ خاص الأفضل نيوز
كما كان متوقّعًا، عاد رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري إلى لبنان، لإحياء ذكرى اغتيال والده الشهيد رفيق الحريرى، ولكن هذه السّنة، جرى الإعداد لها شعبيًّا، تحت شعار "انزلوا حتّى يبقى" لإعطاء عودته البعد الشّعبي أوّلًا، ثم يأتي البحث في البعد السياسي، وهذا ما أعلن عنه مسؤولون في "تيار المستقبل"، بأنّ بقاء الحريري أو مغادرته يعود له القرار ، بعد أداء زيارة ضريح والده، وهذا ما لم يقم به باقي أفراد عائلة رفيق الحريرى منذ اغتياله لا سيّما من زوجته نازك وهذا أمر لافت.
فالحريري يعود بعد عامين على تعليقه العمل السّياسي، وعدم مشاركة "تيار المستقبل" في الانتخابات النّيابيّة، في وقت حضر شقيقه بهاء منذ "الحراك الشّعبي" في الشّارع في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، وبدأ العمل السّياسي، وشارك في العمل الإعلامي عبر محطّة تلفزيونية لبنانيّة ال. بي. سي.(L.B.C)، لتروّج له ولمشروعه السّياسي، ممّا يعني بأنّ سعد غاب عن السّياسة ليظهر من يعتبر نفسه وريث "الحريريّة السّياسيّة، وهذا ما حاول أن يفعله أيضًا، عند تقديم سعد استقالته من رئاسة الحكومة في ٤ تشرين الثاني ٢٠١٧، بعد استدعائه إلى الرياض، الّتي وقفت منه موقفًا سلبيًّا، فلم تعد تراه يمثّل الحالة السّياسيّة التي دعمتها السعودية، منذ والده رفيق الحريري، الّذي قدّمت المال والسّلطة له.
لذلكَ فإنّ السّؤال الّذي طرح، هل عودة سعد الحريري، تعني عودة "الحريريّة السّياسيّة" إلى العمل، حيث يقع "اللّغز" هنا، حيث لم يقدم أحد السّؤال، لأنّ هذا الموضوع ليس شخصيًّا أو يرتبط بقرار من سعد نفسه، بل له علاقة بموقف السعودية منه، والتي فقدت الثّقة به، وأن ما كان مع ملوك وأولياء عهد سابقين، مختلف عمّا هو عليه مع وليّ العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان، الّذي يضع الحريري بخانة اللاصديق، ولأسباب عدّة، منها ما هو مرتبط باستثمارات "سعودي أوجيه"، والتي خرجت من الخدمة منذ سنوات وتمّت تصفيتها، ووضعها في المزاد العلني، لدفع الاستحقاقات المالية عليها، إضافة إلى ارتباطات الحريري مع شخصيات سعودية ارتبطت بفساد مثل رئيس الديوان الملكي السابق عبدالله التويجري، حيث فتح الأمير محمد بن سلمان كلّ الملفّات، وقام بحملة ضد الفساد، ووصل الأمر إلى لبنان، الذي أوقف مساعدات إلى أحزاب وجمعيات وأفراد، لم يقوموا بمشاريع، ولا قدّموا نموذجًا إصلاحيًّا، بل كانوا شركاء في الفساد، الذي هو من أحد أسباب الانهيار في لبنان.
من هنا، فإنّ عودة الحريري ليست الشّخصية أو العائليّة، بل السّياسية، لها شروطها، وممرّها الرياض التي هي دولة فاعلة في لبنان، وساهمت في اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية ودعمت الخزينة بهبات ومكرمات وحصل كلّ ذلك في أثناء التّوافق السّعودي- السّوري، ومنذ تكليف سوريا برئاسة حافظ الأسد رعاية تطبيق اتفاق الطّائف، وانتدبت السّعودية رفيق الحريرى لمتابعة تنفيذ الاتفاق الّذي من بنوده إصلاح النّظام السّياسي، لكن هذا لم يحصل سوى بحالات محدّدة.
فالحريري أمام قرار سيتّخذه يوم زيارة ضريح والده الأربعاء الحالي، وهل ستكون له كلمة، وماذا ستتضمّن؟.
هذا الموضوع متروكٌ للحريري شخصيًّا، بحيث يُحيط عودته الغموض السّياسي، وهو الذي سيكشف عنه، لجهة استمرار تعليق عمله السّياسي والعودة إليه لأنّ العمل الحزبيّ عبر "تيار المستقبل" مستمرٌّ وإن شابه ضمور وتراجع واستقالات لقيادات منه.
و"الحريريّة السّياسيّة" نشأت، عبر دعم السّعودية لها، منذ الملك فهد بن عبد العزيز، الّذي سمّى رفيق الحريرى ممثّله الشّخصي إلى لبنان، وأمّن الدّعم الماليّ، فكانت المساعدات الصّحيّة والتّربويّة والاجتماعيّة، وشكّلت المنح التّعليميّة إلى الخارج، رافعة "للحريريّة السّياسيّة" ومعبرًا لها إلى المجتمع اللبناني عمومًا والطائفة السنّيّة، إضافة إلى فرص العمل في مؤسّسات الحريري لا سيّما منها "أوجيه" حيث عبر رفيق الحريري إلى السّلطة من باب المال والتّبرّعات، ودور سياسيّ بدأه كموفد سعودي، فشارك في مؤتمرات لوزان وجنيف عامي ١٩٨٣ و ١٩٨٤ في عهد الرئيس أمين الجميل ثمّ في الاتفاق الثّلاثي بين "أمل" و "الاشتراكي" "والقوات اللبنانية" برئاسة إيلي حبيقة أي اتفاق الطائف ورئاسة الحكومة.
ويعودُ سعد، ولم يعد يملك ما تركه والده من إرث سياسيّ، مضى عليه ١٩ عامًا، فلم تعد العائلة الحريريّة متماسكة، ولا الحريريّة السّياسيّة فمن عاد الحريري أم الحريريّة السّياسيّة؟.