أماني النَّجار - خاصّ الأفضل نيوز
ما هو الأدب؟ وكيف نقرأه؟ وما هي أهميَّته؟. مجموعةٌ من الأسئلة التي تُطرَح حول الأدب وقيمته في حياة الإنسان.
وكلمةُ الأدب بصورةٍ عامّةٍ تُستخدم لوصف أيّ شيءٍ من الكتابة الإبداعيَّة المرتبطة بالمخيِّلة، التي يندرِج تحتها الشّعرُ والمسرحُ وأدب الواقع والخيال.
يبرز في الآونة الأخيرة تشجيعٌ لتعليم المواد العلميَّة، على أهميَّتها دون سِواها، والاستخفافُ بالموادّ الأدبيَّة والاجتماعيَّة، وهذا التَّوجُّه عامٌ وعارمٌ، ومع إلغاء الشّهادة المتوسطة وما لها من مساوئ جمَّة، لا سيّما طريقة التَّقييم غير المتبلورة لغايةِ اليوم، والاستعاضة عنها بالإفادات، سنكون أمام جيلٍ أُمّيّ، جيلٍ من الأطّبّاء والإلكترونيين الشبيهين بالرّوبوتات، وسنتعثر بالأخطاء الإملائيَّة التّي يرتكبُها أطّباء وحقوقيّون ومهندسون، وستُصبح اللّغة العربيَّة في طريقها إلى الزّوال، (وما ذلّت لغةُ قومٍ إلاّ ذلوا)، وسيأتي أناسٌ مبهورون بالثّقافة الأجنبيَّة وأفكارها البعيدة كلّ البعد عن تراثنا وعاداتنا، وننسى قضايانا وديمومة ثقافتنا.
في هذا السّياق، تحدّث موقع الأفضل نيوز مع الأستاذة سمر عكروش (مدرّسة لغة عربيّة) وقالت: "نعم، المعاناة موجودة ولا تقتصر على الطلّاب بل على المجتمع بشكلٍ عام، فجميعهم يفضّل استعمال اللّغة الإنكليزية على اللّغة العربيّة، والمُشكلة ليست فقط بالمجتمع بل بالقيّمين على اللّغة العربية الذين لم يسعوا إلى تطويرها وجعلها مواكبة لهذا التطّور".
وأضافت: "كما ساهمت وسائل التّواصل والإنترنت بإضعاف اللّغة العربيّة بشكلٍ كبير، كما نعاني من الإزدواجية بين اللّغة العاميّة واللّغة الفصحى، بحيث يدخلون الألفاظ العامية عند الكتابة بالفصحى، ويجدون صعوبة كبيرة لنيل علامات جيّدة بمسابقات اللّغة العربيّة، ومعظمهم يكتفي بالوصول إلى معدّل النّجاح".
وبرأي عكروش: "إنّ الحل هو بإحياء اللّغة العربيّة عن طريق القيام بنشاطات تختص باللّغة العربيّة، والقيام بحملات توعية لإبراز أهميتها؛ لأنها لغتنا الأساس ولغة القرآن الكريم والمراجع اللّغوية والعلميّة والأدبيّة التي تمثّل ثقافتنا وحضارتنا".
الطبيبُ يُداوي، والفيزيائيّ والمهندس يُسهمان في تطوُّر الدَّولة، لكن الجغرافيّ والحقوقيّ والفيلسوف والأديب، هم من يرسم سياسةَ العالمِ واستراتيجياته. وكلُّ ما وردَ سابقًا من اختصاصاتٍ علميّةٍ يُنفِّذ ما يُمليه هؤلاء، فالأساسيّات ثقافيّةٌ تاريخيّةٌ جغرافيَّةٌ فلسفيَّةٌ والثانويات علومٌ مساعدةٌ لِما نراه في هذا العالم.
وإنّ الأدب قادرٌ على تغيير رؤية الإنسان للحياة، سواءٌ من خلال ما حقّقه الأدباء من إنجازاتٍ قيّمةٍ ساهمَت في الارتقاء بثقافة ومفاهيم المجتمع، أو عبر سيَرِهم الذاتيَّة في الأدب الواقعيّ، والتي تُلقي الضوءَ على تجاربِهم المميّزة التي تُضافُ إلى تجربة الإنسان وثقافته.
في هذا الصدّد، تحدّث موقعنا مع الأستاذ يوسف سلّوم (دكتور في الفلسفة العربيّة) وقال: "إنّ المواد العلميّة، هي تهتم بجانب التقدّم العلمي والتّقني والتّكنولوجي، أمّا المواد الأدبيّة، تهتم في صناعة الإنسان والمجتمع. فقمّة المنهج العلمي، أنّ الإنسان يُصبح عالِمًا، أمّا قمّة المنهج الأدبي، أنّ الإنسان يُصبح مفكّرًا".
وتابع قائلًا: "منذ بداية القرن السّابع عشر مع الثّورة الصّناعيّة في أوروبا، بدأ الاهتمام بالجانب العلمي وبعد مرور قرون عدّة، بدأ تهميش الجانب الأدبي الإنساني؛ بسبب صراع رجال العلم مع رجال الكنيسة، وتزامنت القوّة العلميّة مع الثّورة الصّناعيّة وتمّ إيجاد بدائل عن الدّين، فاتّجهوا نحو العلمانيّة، ثمّ الإلحاد وأنظمة جديدة في الاقتصاد حيث نشأت الرأسماليّة، وفيما بعد انتقلت الثّورة الصّناعيّة من الصّناعة إلى التّقنيّة وأصبحت هي ديانة العلوم، فأصبح الإنسان يركض وراء التكنولوجيا، وسخّر كل شيء لها بعيدًا عن الجانب القيّمي والأخلاقي، وأصبح الإنسان يملك المعلومة ويسيطر سياسيًّا".
وأشار: "إلى أنّ ثورة الاتّصالات تتجه نحو الربح السّريع بينما العلوم الأدبيّة ربحها بعيد وغير ملموس، فالإنسان لكي يُبدع يلزمه التّعلم والتّثقف لمدّة طويلة، أمّا في العلوم التّقنيّة، يُصبح منافسًا ويجني الأموال بسرعة أكبر، ما أدّى إلى نتائج الفكر الكارثي المتقدّم علميًّا ومنحطّ أخلاقيًّا وقيميًّا".
في المُقابل، أضحى الإنترنت بابًا واسعًا لنشر الفكر والثّقافة، وهو عالَم مؤثّر في الأدب كما يؤثّر في مُجمل حياة الإنسان المعاصرة.
في هذا الإطار، أشار لموقعنا الدّكتور حسام يقطين (دكتوراه في المعلوماتيّة) حيث قال: "إنّ الإنترنت، بوصفه فضاءً رحبًا لتداول المعارف وتبادل الأفكار، يمثّل ثورة حقيقيّة على الصّعد والمجالات كافّة ومنها بالتّأكيد مجال الأدب والمواد الأدبيّة، ويُعدّ وسيطًا ديناميكيًّا يُسهّل على الأدباء والباحثين والطلّاب الوصول إلى مجموعة هائلة من المصادر الأدبيّة والنقديّة والنظريّة، بما يتجاوز الحدود الجغرافيّة والزمانية، إضافةً إلى أنّ الشّبكة العنكبوتية أتاحت للأفراد كافّة الانخراط في حواراتٍ متعدّدة الثقافات والاطّلاع على التّيارات الأدبيّة المتنوعة، ممّا يُغني الفهم النقدي ويُعزّز التّنوع الثّقافي".
وأضاف: "على صعيد الأديب، يضيف الإنترنت آفاقًا جديدة للنّشر والتّواصل مع القرّاء، ممّا يُسهم في تشكيل مجتمعات أدبية متجدّدة وتعزيز الحوار الثقافي. أما في ما يخصّ الباحث، فإنّ الوصول الفوري والواسع للمكتبات الرقميّة وقواعد البيانات، يُسهّل عملية البحث الأدبي ويُسرّع من وتيرة إنتاج المعرفة والتحقّق من دقة المعلومة، وأيضاً فيما يخصّ الطالب، يُعدّ الإنترنت أداة تعليمية قيّمة تُسهم في تطوير مهارات التّفكير النقدي والتحليل الأدبي من خلال التفاعل مع مجموعة واسعة من المواد الأدبيّة والنقدية".
وعن الإنترنت بشكلٍ عام قال: "يُسهم الإنترنت في تكريس مفهوم "الأدب الرقمي"، الذي يُعدّ تجليًّا للإبداع الأدبي في عصر التكنولوجيا، فإن تأثير الإنترنت على الأدب والحياة المعاصرة، لا يقتصر على إتاحة المواد الأدبية فحسب، ولا يمثّل مصدرًا لها فقط، بل يمتد ليُعيد تشكيل طُرق تلّقي الأدب وتفاعل الأفراد معه، ممّا يعكس تحولات عميقة في بنية الثّقافة الإنسانيّة وآليات تداول المعرفة، مع مراعاة الجانب السّلبي منه وهو إدخال الذكاء الاصطناعي في هذا المجال محاولة لاستبدال الإنسان، الشّاعر والأديب والمفكّر".
وفي المحصّلة، فإنَّ الأدب مرآةٌ لكلِّ زمان ومكان، فما كُتب في التّاريخ غالبًا من باب قوّةٍ سياسيّةٍ، فهو مَرجعٌ أصدق وأغنى لمعرفة أحوال الناس وشؤونهم في مرحلةٍ زمنيَّةٍ ما. وهكذا فإنّ محتوى الأدب، أبعدُ من مضمونه الأدبيِّ المُرتبط بمعاني الكلمات وجماليّات التّعبير والصّياغة، فهو بمثابة الأسّس التّي تُغني الحياة وتضيف لها قيمة فوق قيمتها.
فإن كان الأدب يُثري حياتَنا، فلِمَ تَخشاه فئةٌ كبيرةٌ من المجتمع؟ لِمَ ترَى فيه أعدادٌ كبيرةٌ من الأُسرِ تهديدًا لبُنية الأفكارِ ومنظومتِها، التّي يُمكن أن يكتسبها الأبناء في طور نمّوهم؟.

alafdal-news
