د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
يتهم العديد من السياسيين الأمريكيين والإسرائيليين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بتدمير العلاقة مع الولايات المتحدة، والتسبب بابتعاد الشعب الأمريكي عن تل أبيب خصوصا وأن الأخير له سوابق مشهودة في هذا المجال.
فعندما استضاف الرئيس باراك أوباما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي في عام 2014، ألقى الزعيم الإسرائيلي الفاشي، عليه محاضرة حول مستقبل غزة والدولة الفلسطينية والاتفاق النووي الإيراني، مستخدما لغة فظّة وصفها أوباما بالمتعالية لا تخلو من التكبر والغرور.
المثير أنه بعد الاجتماع، سأل أحد المساعدين كيف سارت الأمور، غير أن إجابة أوباما كانت صادمة عندما قال إن نتنياهو "تبول على ساقي"، والكلام هنا أوردته صحيفة الواشنطن بوست نقلا عن شخصين مطلعين على الحديث، لكنهما تحفظا على الكشف عن هويتيهما.
وكيف خرج نتنياهو عن سياسة أسلافه في التعامل مع الحزبين الديمقراطي والجمهوري؟
على مدار الأعوام الستة عشر الماضية، ابتعد نتنياهو بشكل حاد عن سياسة التوازن في العلاقة مع الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة والتي اتبعها أسلافه، من خلال ارتمائه في أحضان الجمهوريين، مقابل ازدرائه للديمقراطيين. وهو الموقف الذي نراه حاليا على نحو متزايد في نهج كل حزب في التعامل مع إسرائيل.
زد على ذلك، أن الحرب الدموية على غزة، حطمت الدعم الكبير الذي كانت تحظى به إسرائيل من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي إضافة إلى الأجيال المتعاقبة من الأمريكيين. وعليه يعدّ هذا الانقسام، المتمثل بالاحتجاجات الغاضبة والمناقشات الديمقراطية، تحولا أساسيا في السياسة الأمريكية.
وتبعا لذلك قال السيناتور كريس ميرفي (ديمقراطي من كونيتيكت): "لا أعتقد أن هناك أي طريقة أخرى لقول ذلك: لقد كان نتنياهو كارثة مطلقة لدعم إسرائيل في جميع أنحاء العالم". وأضاف "هنا في الولايات المتحدة، اتخذ نتنياهو قرارًا متهورًا بالاندماج في الحزب الجمهوري، متخذًا موقفًا واضحًا للغاية في السياسة الأمريكية، وقد تسبب ذلك بعواقب وخيمة".
وأضاف مورفي، وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إنه حذر نتنياهو شخصيا عدة مرات في السنوات العشر الماضية من مخاطر الانحياز بشكل وثيق إلى الجمهوريين. وقال إن رئيس الوزراء "لم يرغب قط في الاستماع".
لكن مهلا، فنتنياهو ليس المسؤول الوحيد عن هذا التحول. ففي السنوات الأخيرة اتجهت إسرائيل بشكل مضطرد نحو اليمين، في حين تلاشت على نحو متزايد قضية المحرقة، التي عززت لفترة طويلة تعاطف الأميركيين مع إسرائيل. ومع ذلك قاد نتنياهو التغيير عبر استراتيجية الانحياز إلى اليمين الأمريكي، كما يقول مساعدوه السابقون – وهذا القرار يكمن وراء خلافه المتزايد مع الرئيس الحالي جو بايدن، الذي يجسد المودة الديمقراطية التقليدية لإسرائيل.
وما هو موقف الجمهوريين من نتنياهو؟
في الحقيقة، سارع الجمهوريون بدورهم إلى تسليط الضوء على احتضانهم لنتنياهو وهو ما رأيناه من خلال إعلان رئيس مجلس النواب مايك جونسون (جمهوري من ولاية لوس أنجلوس) إنه يعتزم دعوة نتنياهو لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس في وقت يشعر فيه البيت الأبيض بمخاوف عميقة بشأن سياسات نتنياهو المتهورة.
إلى جانب ذلك، سافرت النائب إليز ستيفانيك (الجمهوريّة عن نيويورك)، وهي عضو في قيادة حزبها في الكونغرس، إلى إسرائيل في الأيام القليلة الماضية، لطمأنة أعضاء الكنيست، بأنه "ليس هناك أي عذر لرئيس أميركي لمنع المساعدات عن إسرائيل".
وما هو موقف الديمقراطيين من نتنياهو؟
يعتبر الديمقراطيون، أنه لا شيء أدى إلى تراجع تعاطف النواب التقدميين مع إسرائيل مثل خطاب نتنياهو وأفعاله، لا سيما بعد ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وانتشار المجاعة التي تجتاح القطاع بسبب القيود الشديدة على المساعدات الانسانية.
وتعليقا على ذلك قال السيناتور بيرني ساندرز، "تاريخيًا، حظيت إسرائيل دائمًا بالكثير من الدعم في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، لكن الحرب التي تشنها حكومة نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني وقتلها لعشرات الآلاف من الناس ... قللت بشكل كبير هذا الدعم، خصوصا في أوساط جيل الشباب، ومع أن هذا لا يؤثر على نتنياهو شخصيا، غير أنه لا يبشر بالخير لمستقبل إسرائيل.
السلوك الاستعلائي لنتنياهو في العلاقة مع الرئيس أوباما في الواقع، أن استراتيجية نتنياهو المثيرة للانقسام كانت واضحة لسنوات بالنسبة للقادة في كلا البلدين. لقد برز هذا الأمر بوضوح خاص عندما تولى أوباما منصبه في عام 2009.
وتبعا لذلك قال مايكل أورين، سفير نتنياهو في واشنطن في ذلك الوقت، إن هناك تيارات فكرية متعددة في الدائرة الداخلية لرئيس الوزراء الاسرائيلي. لكن المدرسة الأولى والأقوى ــــ هي بقيادة رون ديرمر، والذي خلف أورين كسفير وهو الآن كبير مستشاري نتنياهو ــ ترى أن تعاطف الديمقراطيين المتزايد مع الفلسطينيين بدأ يهدد مصالح إسرائيل. لذا فإن الوقت بالنسبة لها قد فات" لإيجاد أرضية مثمرة مع معظم الديمقراطيين. وبحسب أورين فالشراكة بين الحزبين كانت ميتة بالفعل، من هنا، إذا كانت لديك موارد وطاقة محدودة، فيجب عليك تكريسها لبناء قاعدتك".
وفي هذا السياق يستذكر ايهود أولمرت، رئيس الوزراء السابق، أن نتنياهو طلب منه النصيحة قبل السفر إلى الولايات المتحدة للقاء أوباما للمرة الأولى في عام 2009. آنذاك حذر أولمرت نتنياهو من التعالي أو إلقاء المحاضرات على الرئيس الأمريكي، الذي اعتبره العديد من الإسرائيليين المحافظين متعاطفا مع الفلسطينيين.
وبدلا من ذلك، قال اولمرت إن نتنياهو "فعل العكس.. لقد كان متعجرفًا ومتعاليًا جدًا. ويخلص اولمرت قائلا إن "الاستراتيجية الحزبية للزعيم الحالي "تسببت في تآكل الدعم الشعبي لدولة إسرائيل".
المثير أن تلك العلاقة الفاترة، دامت طوال فترة ولاية أوباما التي استمرت ثماني سنوات. من هنا يعود بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي لأوباما، إلى تلك الفترة، مستحضرا بعض الوقائع قائلا : إنه كلما شعر نتنياهو بأن أوباما يضغط عليه، كان يلجأ إلى الجمهوريين في الكونجرس الذين يصدرون بعد ذلك بيانات تهاجم أوباما وتتسبب بصداع سياسي للبيت الأبيض لعدة أسابيع.
ويتابع رودس: "لقد كان نتنياهو مهتمًا بمصالحه الذاتية ويتدخل بلا هوادة في السياسة الأمريكية لتقويض الرئيس أوباما، وبصراحة لم يكن من الممكن تمييزه عن الناشط السياسي الجمهوري في تكتيكاته.. لقد عامل بيبي نتنياهو باراك أوباما بطريقة مختلفة عن أي رئيس أمريكي يعامله زعيم إسرائيلي".
في المحصلة، يشعر بعض القادة الإسرائيليون بالقلق من أن نتنياهو يدمر بشكل دائم الدعم الأمريكي الموحد لإسرائيل. وهو ما يظهر من خلال سياسته الحالية القائمة بالرقص على حبال التناقضات الحزبية الأمريكية، فضلا عن ضربه بعرض الحائط مناشدات بايدن (الصورية) بشأن تقديم المساعدات وحماية المدنيين الفلسطينيين، بل إن رفضه لكل ما يصدر عن الإدارة الأمريكية، اتخذ في الآونة الأخيرة نبرة لاذعة، إلى حدّ أن أحد كبار وزراء حكومة نتنياهو نشر تغريدة على منصة X، قال فيها : “حماس بايدن".