د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
بعد أشهر طويلة من التوتر والقلق، ذهب أغلب المسلمين في الهند في الثالث من حزيران الجاري، أي قبل يوم من إعلان نتائج الانتخابات النيابية، إلى مضاجعهم وهم خائفون من المستقبل المظلم الذي ينتظرهم، في حال فوز رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالأغلبية البرلمانية ، خصوصا أنه بدا للعالم كله، أن الأخير ومشروعه القومي الهندوسي القائم على الاستبداد والكراهية العرقية والدينية التي تسعى للهيمنة الكاملة على سياسة البلاد، لا يمكن فرملته.
لكن في صباح الرابع من حزيران، ومع بدء ظهور النتائج غير المتوقعة، تغيرت الأجواء، وتنفس المسلمون في هذا البلد الصعداء، بعدما وضع الناخبون في الهند على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم، المكابح لمودي وحزبه، ووجهوا لهم صفعة مؤلمة ومدوية، تمثلت بحرمانهم من بلوغ الأكثرية البرلمانية، التي تخولهم الحكم والسيطرة على البلاد.
وكيف جاءت نتائج الانتخابات الهندية؟
في الواقع، إن النتيجة الرئيسية التي أفرزتها صناديق الاقتراع، هي أن حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي لن يصبح مركز القوة الوحيد في الهند خلال السنوات الخمس المقبلة، كما كان يأمل رئيس الوزراء الحالي ويتوقع.
فالانتخابات، ستجعله وحزبه، مكبلي الأيدي فيما يتعلق باضطهاد المسلمين وممارسة المزيد من قمع وسجن المعارضين، كما إن هذه النتائج ستمنعه من التسلل إلى المؤسسات الديمقراطية والاستيلاء عليها.
وعلى الرغم من أن مودي لن يتخلى بالتأكيد عن حملته القومية الهندوسية، إلا أنه من الآن وصاعدا، ستكون هناك ضوابط وتوازنات أقوى، مع إحياء المعارضة وضرورة التوصل إلى حل وسط مع شركاء الائتلاف، والتفاوض معهم لهذه الغاية، لا سيما أن مودي كان توقع مرارا أن يحصل حزب بهاراتيا جاناتا وتحالفه على أكثر من 400 مقعد في مجلس النواب المكون من 543 مقعدا، في حين أن المطلوب هو الفوز ب 272 مقعدا لحصد الأغلبية.
لكن المثير، أن حزب مودي، تلقى ضربة موجعة على الرأس، مع فوزه ب 240 مقعدا فقط، مقابل خسارته ل 63 مقعدا كان يملكها في السنوات الخمس الماضية. أما النكبة الكبرى لمودي، هي تحقيق حزب "المؤتمر الوطني الهندي المعارض" ( المضطرب منذ فترة طويلة بقيادة راهول غاندي) نتائج لافتة، فوزه بالتالي بـ99 مقعدا، أي بزيادة مذهلة قدرها 47 مقعدا عن الانتخابات الأخيرة.
هذا فضلا عن الانتصارات المحورية للعديد من الأطراف الإقليمية في الهند.
أكثر من ذلك، تعرض حزب مودي لهزيمة قاسية، في أعقاب خسارته لـ29 مقعدا في ولاية أوتار براديش الضخمة في الشمال، كما فقد 14 مقعدا في ولاية ماهاراشترا، موطن العاصمة التجارية والمالية للبلاد، مومباي.
كما خسر حزب بهاراتيا جاناتا، دائرة أيوديا الانتخابية في الشمال التي تضم المعبد الهندوسي للورد رام، كان افتتحه مودي على أنقاض مسجد يعود إلى العصر المغولي - وهي هزيمة مذلة للغاية في منطقة تسكنها أغلبية هندوسية، تصل إلى حوالي 80 %. ففي هذه الولاية اختار الناخبون مرشحًا من حزب سياسي اشتراكي علماني، (وهو حزب ساماجوادي) على مرشح حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي.
مودي وجنون العظمة وخطاب العنصرية والكراهية ضد المسلمين
قبل التصويت، لطالما شجع مودي عبادة الشخصية حول قيادته. وادعى أن الله أرسله ليحكم الهند. وقال عندما كانت والدته على قيد الحياة: "كنت أعتقد أن ولادتي ربما كانت بيولوجية، ولكن بعد وفاتها، عندما أنظر إلى تجارب حياتي، أجدني مقتنعًا بأن الله أرسلني إلى هنا".
من هنا، وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، أعطى مودي لنفسه صلاحيات مطلقة، إذ جمدت إدارته بعض الحسابات المصرفية للمعارضة، وسجنت زعماء بتهم تتعلق بالفساد والضرائب، وقد حظيت إجراءاته تلك، بتغطية وترويج واسعين، لوسائل إعلامية يسيطر عليها حلفاء مودي.
علاوة على ذلك، تم في عهد مودي القومي الهندوسي ، تحويل منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى أحزمة ناقلة للكراهية ضد 200 مليون مسلم في الهند، كما عانت البلاد خلال سنوات حكمه، من سلطة الغوغاء، وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون واستهداف المسلمين والمسيحيين.
فعلى سبيل المثال، وأثناء حملته الانتخابية، ألقى مودي خطابا ناريا في راجاستان صدم حتى بعض أنصاره ، عندما تعمد تشويه صورة المسلمين بلا خجل، عبر إطلاقه تحذيرات قاتمة من أنهم سوف يسرقون ثروة البلاد بطريقة أو بأخرى. كما وصف المسلمون بأقذع العبارات، وبأنهم متسللون، ينجبون المزيد من الأطفال، ويأخذون موارد السكان الهندوس.
وعلى المنوال ذاته، أعلن أميت شاه، وزير الداخلية الهندي، أنه إذا وصل إلى السلطة، فسوف يشنق تجار الأبقار والمهربين الذين يذبحونها، ويعلقها رأسا على عقب.
ليس هذا فحسب، فقد استحضر آخرون من وزراء حكومة مودي وكبار قادته شبح "جهاد الحب" (زواج المسلمين من الهندوس) و"الجهاد الأرضي" (استيلاء المسلمين على الأراضي في المناطق التي يهيمن عليها الهندوس في جميع أنحاء الهند). وفي حملة فيديو انتخابية أخرى لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي يتزعمه مودي، تم تصوير المسلمين على أنهم ناهبون لماضي الهند المجيد.
وكيف ساهم المسلمون بخسارة مودي وحزبه؟
عمليا، كانت هناك مخاوف مشروعة داخل الهند وخارجها من أن صعود مودي، هو بمثابة ناقوس الموت الذي سيقضي على السياسات التنافسية الحقيقية في الهند.
صحيح أن المسلمين، كانوا الأكثر غُبنا في هذه الانتخابات، فهم لم يحققوا أي نتائج تذكر في هذه الانتخابات ــــ فعدد المسلمين في البرلمان – 22 – هو الأدنى منذ الاستقلال ـــــ وهذا يعودإلى أن أحزاب المعارضة كانت خائفة من مواجهة سياسات مودي المناهضة للمسلمين خوفًا من فقدان قاعدتهم الهندوسية.
ومع ذلك، وضع المسلمون في الهند ثقلهم إلى حد كبير وراء التحالف الهندي، لأنهم يعتقدون أن العلمانية في الهند سوف تسود في نهاية المطاف على الأحزاب المذهبية.
لذا، صوَّتَ المسلمون بأعداد كبيرة في هذه الانتخابات لحماية حقوقهم والدستور الهندي. وبينما تصدرت حالات قمع الناخبين عناوين الصحف، في منطقة سامبهال في ولاية أوتار براديش، قال ناخبون مسلمون إن ضباط الشرطة أجبروهم على مغادرة مركز الاقتراع. كذلك انتشرت على نطاق واسع مقاطع فيديو لناخبين تعرضوا للضرب، إلى جانب شهادات أولئك الذين هاجمتهم الشرطة لمنعهم من التصويت.
بموازاة ذلك، عزا نديم خان، زعيم الحقوق المدنية الهندي، انخفاض دعم مودي إلى الجهود المتضافرة التي بذلتها المنظمات الإسلامية، وخاصة في ولاية أوتار براديش، والبنغال الغربية، للتأكد من أن المسلمين صوتوا ككتلة واحدة.
وقال خان: "كان هناك يأس وخوف، وكان علينا العمل على ذلك وإخبار الناس أن الحل الوحيد هو توحيد صفوفهم والإدلاء بأصواتهم بغض النظر عن النتيجة".
أكثر من ذلك، حاول مودي شقّ المجتمع الإسلامي عبر محاولته تقسيم المسلمين على أساس الطبقة الاقتصادية والاجتماعية، وإلقاء اللوم على المسلمين من الطبقة العليا، عند مقاربة مشاكل المهمشين.
وتبعا لذلك أعرب خان عن اعتقاده أن هذه الخطوة جاءت بنتائج عكسية، لأن العديد من المنتمين للطبقة العليا، هم من فئة تجار الماشية الذين وقعوا ضحايا لجرائم الكراهية ضد المسلمين، والتي كانت نتيجة لخطاب الكراهية من قبل حزب بهاراتيا جاناتا والزعماء القوميين الهندوس".
في المحصلة، ربما يكون من السابق لأوانه بالنسبة للمسلمين والأقليات الأخرى في الهند أن يتنبأوا بمستقبل جديد جذري. لكنهم يدركون أن مشاركتهم النشطة في الانتخابات قد أحدثت فرقاً. فحاليا تحول يأسهم إلى شعور بالتفاؤل والانتماء.
فالناخبون عدا عن أنهم لم يكونوا راضين عن البطالة والتضخم وعدم المساواة، غير أن التصويت كان احتجاجًا على أساليب مودي الاستبدادية والمثيرة للانقسام أيضًا.