بكر حجازي - خاصّ الأفضل نيوز
منذ العام ٢٠١٩ تضرب أزمة اقتصادية حادة لبنان ، ولا زال معظم اللبنانيين يرزحون تحت نيرها ، بالرغم من مرور خمس سنوات على الأزمة الاقتصادية .
في المقابل حاولت الدولة اللبنانية أن تقوم بمعالجة هذه الأزمة بإبر تخدير موضعي ، ما انفك أن زال أثرها ، وهي لم تقم بمعالجات جدية تزيل فيها الأزمة وأسبابها أو تخفف من آلامها المبرحة في أجسام اللبنانيين.
وبالرغم من هذه الآلام يستغل معالي وزير الداخلية الخلاف الحكومي والشغور في رئاسة الجمهورية لإثبات قيام وزارته بعملها من ناحية ضبط الأمن ، وأي أمن مضبوط هو !، ربما أمن الاستقواء على سائقي الدراجات النارية الصغيرة ، والتي زاد استعمالها في الآونة الأخيرة خاصة عند طلاب الجامعات والدليفري بسبب عجز اللبنانيين عن تحمل كلفة النقل العالية ، حيث أصبحت صفيحة البنزين بحوالي المليوني ليرة لبنانية فقط، ومعظم الأجور هي في متوسط العشرين مليون ليرة لبنانية شهرياً ، أي ما يوازي عشر صفائح شهرية ، وهذا يعني أن الراتب الشهري لمعظم اللبنانيين لا يكفي الحاجات الأساسية.
من الأحكام الأساسية في الإسلام معاقبة السارق بقطع يده ، ولا شك أن معظم سائقي الدراجات النارية هم من المخالفين لقانون السير اللبناني ، ولكن لو أتينا على جرم السرقة في الحالة الأولى في زمن الخليفة عمر بن الخطاب ، لوجدناه يعفو عن السارقين بسبب الأزمة الاقتصادية ، التي ألمت بالدولة في ذاك الزمان .
فالإمام علي بن أبي طالب المحارب للفقر بقوله "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" ، وفي هاتين الحادثتين أساس لوجود المجتمع والدولة ، ربما على أساتذة معالي الوزير -القاضي ، في كلية الحقوق تذكيره بذلك ، كي لا يكون هناك استقواء على الناس وخاصة الفقراء الذين دفعتهم الحاجة إلى قيادة الدراجة النارية والقدوم بها لتحصيل العلم في الجامعة ، حيث إن الدولة التي يشارك في حكومتها معاليه لا توجد فيها بنى تحتية أو وسائل نقل عام مشترك تسهل عمل الناس.
ومعاليه أيضاً نسي أنه من يريد أن يتولى أمر الناس وإمارتهم، عليه أن يكون من الناس ، لا أن يتعالى فوق أوجاعهم ، ليسمع المديح من هذا الفريق الطائفي أو ذاك.
فيا معالي الوزير إن طلاب الجامعة اللبنانية الدولية الذين صادرت دراجاتهم النارية ، هم أهلك ومستقبل البلد، وهم أبناؤك الذين لم تتح لك الحياة أن تنجب بعضاً منهم ، هم من أضفت على معاناتهم بالأمس بسبب تحملهم لظروف الحياة وتكاليفها المرهقة تكاليف إضافية وحرمت الكثير منهم مبالغ ادخروها من عملهم في مطاعم يرتادها الأغنياء ليشتروا بها هذه الدراجات ، في وقت يغيب التنظيم الصحيح لأصول البيع والشراء ، وخاصة في ظل النافعة المغلقة بسبب تضارب مصالح المنتفعين الذين تعلمهم جيدًا.
حبذا يا معالي الوزير ، لو جندتم هؤلاء العناصر من قوى الأمن لملاحقة المعروفين بالاسم من الممتنعين عن دفع مستحقات الدولة والمحتلين للأملاك العامة، والمتهربين من تنفيذ الأحكام القضائية ...
حبذا لو تدرك معاليك أن المسار السياسي الذي هو من حقك ومن حق أي مواطن لبناني لا يرسم ولا يخط على حساب عذابات الفقراء والطيبين في هذا البلد الحبيب.
يا معالي الوزير إن مشروعكم نحو السراي يمكن أن يكون أسرع وأكثر أماناً بسيارات الفاسدين الفارهة من دراجات الفقراء الممزوجة بمالٍ مدخرٍ بعرق الشرف والكرامة، فهؤلاء هم من يختارون أمثالكم وهؤلاء من يحاسبون وسيحاسبون هذه الطبقة التي تستمر بالبلد نحو المزيد من الأزمات ، لأنهم الغد الأفضل لهذا البلد وهم طائر الفينيق المنبعث من رماد الأزمات ، والذي لا بدّ سيأتي بيد مهندس ، وأستاذ أو طبيب ممن يقود دراجاته النارية ليحصِّل العلم اليوم ، وهو سيقود سفينة البلد مع رفاقه من كل لبنان إلى شاطئ الأمان.