عبدالله قمح -خاص الأفضل نيوز
لم تكن التغييرات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في "خلية الأزمة الفرنسية" المعنية في المسألة اللبنانية من خارج سياق ما توقعه من فشل محتوم، إنما كانت محاولة من جانبه لإعادة استنهاض اللجنة وإجراء تغييرات "أكثر فائدة" على استراتيجيها بحيث تعزز من دور فرنسا، ليصدمك بواقع أن المشكلة الفرنسية في صلبها، لها علاقة بغياب القدرة الفرنسية على التأثير، وهو فعل ليس سببه أشخاص إنما سياق سياسي طويل اعتمدته فرنسا في هذا البلد ارتدَّ عليها.
صحيح أن تقدم اليمين السياسي في فرنسا على حساب فريق وإدارة الرئيس ماكرون مثل انتكاسة سياسية حقيقية ليس لهذا الأخير بل للفكر العميق الذي قامت عليه فرنسا الحديثة. وعلى الأغلب، سيكون لهذا التقدم نتائج وترتيبات واضحة على الصعيد السياسي الفرنسي بشكل عام
غير أن ما يمكن لفت النظر إليه هي النتائج العكسية التي ستنسحب على الدور الفرنسي في لبنان عطفا على النتائج. فالإدارة الماكرونية التي كانت تعاني أصلا في لبنان ومع السياسيين اللبنانيين، ستزيد معاناتها خلال الفترة المقبلة مع ملاحظة هؤلاء الساسة أن الإدارة الفرنسية الحالية مربكة ومشتتة وغير قادرة على تجميع نفسها كما أن الضعف السياسي أخذ ينتابها، وهو ما يعني أن التفاهمات التي عقدتها مع الإدارة الأميركية لتوسيع دورها في لبنان ستكون محل مراجعة هذا إن لم تكن قد سقطت فعلاً، هذه المرة ليس بالضرورة من وراء "كيد أميركي"، إنما بفعل سياسي لبناني واضح.
الجو العام الذي ساد في لبنان منذ فترة، كان رافضاً لمنح تقديمات لمصلحة السياسية الفرنسية، وإن كان هؤلاء الساسة بمعظمهم يحرصون على علاقات تجمعهم مع فرنسا. ويأتي موقفهم في الأساس نابع من أنهم يعتقدون أن من له القدرة على المنح والتأثير في الملفات اللبنانية ضمن هذا المستوى هو الأميركي بالدرجة الأولى. تبعا لذلك، تعاطى كثر مع الفرنسيين بانعدام وزن أو نظروا إليهم على أنهم "ساعي بريد" يسعى لتأمين خدمات لطرف دولي آخر أو أنهم يسعون لفرض نفسهم على حساب مصالح هؤلاء السياسيين. وعلى هذه القاعدة ولد مبدأ عام قوامه: لا يتم التعامل مباشرة مع الأصيل وليس الوكيل؟ وإذا كان لا بد من "تركيب" صفقة، فلما لا يتم ذلك مع الأميركيين حصرا؟
من هنا قامت النظرة على امتياز حاز عليه عاموس هوكشتاين من وضعيته وظيفته كمستشار أول في إدارة بايدن، في وساطته ذات البعد الأمني، وآخر حظيت به السفارة في بيروت المتولية البحث في الشق السياسي اللبناني ورئاسة الجمهورية على حساب دور ووجود الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان.
تبعاً لذلك، يقول مرجع سياسي: كيف ستكون حال السياسيين اللبنانيين وحال الوسطاء الفرنسيين و "الخلية" الرئاسية النشطة في الحقل اللبناني، مع تقدم اليمين على حساب إدارة ماكرون، والتغييرات التي ذهب إليها الأخير، واحتمال التبدل السياسي وانصراف الرئيس الفرنسي إلى تحصين نفسه وإدارته وإعادة صيانة الواقع الفرنسي الجديد ما سيجعله أقل تركيزاً نحو الخارج ولبنان منه. الأساس في ما يحصل، كيف ستكون نظرة اللبنانيين (السياسيين تحديداً) تجاه التغييرات التي تعصف في الإدارة الفرنسية الحالية، وبالعمق، هل من أحد يبدو مستعداً لمنح رئيس مقبل على المغادرة مراكماً الخسائر؟
ما يتردد أعلاه ينسحب على وضعية فرنسا سياسياً في رأي مجموعة سياسية بارزة كما على حضورها المستقبلي في لبنان أقله ضمن البعد السياسي الحالي، وسط شكوك حيال احتمال أن تبدأ فرنسا الانسحاب "تكتيكيا" من الوساطات التي دخلتها.