د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
حسمت الدول النافذة والمؤثرة في حلف شمال الأطلسي، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، الجدل حول من يتولى منصب الأمين العام "للناتو" (المنظمة الأمنية الأكبر والأهم في الغرب)، بعدما أعلنت رومانيا سحب ترشيح رئيسها كلاوس يوهانيس، وموافقتها على تولي رئيس الوزراء الهولندي مارك روته الرئاسة، لتزيل بذلك العقبة الأخيرة أمامه، في طريقه للوصول إلى هذا الموقع الرفيع.
ويأتي الإجماع على ترشيح روته، قبل أسابيع فقط من اجتماع الحلفاء في واشنطن حيث سيتم الإعلان رسميًّا على اسمه، في لحظة حسّاسة للحلف العسكري المكون من 32 عضوًا. إذ ساهم قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالحرب على أوكرانيا، ببث الروح والحياة به، من جديد، بعدما كان شارف على الاحتضار، وبالتالي أصبح أكبر وأقوى وأكثر أهمية ممّا كان عليه في العقود الماضية.
من هو روته؟ وما هو موقفه من ترامب؟
يّعدّ روته، الذي كان شغل منصب رئاسة وزراء هولندا منذ عام 2010، من قدامى المخضرمين والعارفين بسياسات الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تمتعه بالخبرة الواسعة بالتعامل مع مفاتيح العديد من قادة دول "الناتو" في الماضي والحاضر، بما في ذلك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لا يستبعد التحالف عودته للبيت الأبيض مرة أخرى، مما أثار تساؤلات جدّية حول مستقبل "الناتو" في حال فوز الأخير بالرئاسة، خصوصًا بعد هجومه الشرس على "الحلف" في فبراير/شباط الماضي، حينما قال ترامب إنه "سيشجع روسيا على مهاجمة دول "الناتو" وقد يفكر في مغادرة التحالف العسكري الذي يبلغ عمره 75 عامًا.
وروته المعروف بأسلوبه المباشر ونهجه العملي في السياسة، ينظر إليه الكثير من الحلفاء، على أنه الزعيم المناسب للعمل مع ترامب، إذ كتب له الفوز مجدّدًا بالانتخابات الأمريكيّة.
أكثر من ذلك، وفي حين يتجنب بعض الزعماء الأوروبيين، المرشح الجمهوري المفترض (أي ترامب)، ولا يتردّدون بانتقاده بشكل علني، بل يعبّرون بشكل دائم عن قلقهم على الديمقراطية الأمريكية إذا أعيد انتخابه.
خالف روته بالمقابل التوقعات، وأبدى استعداده للعمل مع ترامب.
وتعقيبًا على ذلك قال روته في مؤتمر ميونيخ الأخير للأمن: "يجب أن نتوقف عن التذمر والتذمر بشأن ترامب".
وأضاف "أنا لست أميركياً، ولا أستطيع التصويت في الولايات المتحدة. لكن علينا أن نعمل مع كل من هو على حلبة الرقص".
وكيف يتم انتخاب أمين عام للأطلسي؟
عمليًّا، لا يوجد إجراء رسمي محدّد لاختيار الأمين العام للأطلسي. فمن الناحية النظرية، يتواصل الحلفاء ويتحدثون فيما بينهم، للاتفاق وبالإجماع على شخصية معينة. مع العلم أن للولايات المتحدة بالعادة، الكلمة الفصل في حسم الاسم. ولهذا ألقت في فبراير/شباط الماضي، بثقلها خلف روته، مما منحه الزخم الكافي لضمان الرئاسة.
من هنا، جاء القرار بشأن روته (رابع هولندي يقود "الناتو") بعد عدة أشهر من النقاش والمداولات المشحونة التي سلطت الضوء على الانقسام بين الحلفاء، والدور المتزايد للمجر كمعارض داخل الأطلسي.
وتعقيبًا على انسحاب الرئيس الروماني، أوضح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أن قرار يوهانيس "يجسد التزامه بضمان الوحدة والتوافق داخل الحلف، وأن الولايات المتحدة تدعم روته بشكل كامل بصفته أمينًا عامًا للناتو.
وما هو موقف دول أوروبا الشرقية من روته؟
رغم أن معظم الحلفاء، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، دعموا روته منذ فترة طويلة، إلا أن الأعضاء الآخرين في القسم الشرقي من أوروبا شعروا بالإحباط والخيبة، بسبب الاختيار من دولة أوروبية غربية، خصوصًا في ظل استمرار الحرب الأوكرانية ــ الروسية، وهي نقطة حساسة لبعض الدول الأعضاء في أوروبا الوسطى والشرقية، الذين قال بعضهم بمرارة، أن "وجود زعيم من بلد مجاور لروسيا كان ليكون أكثر منطقية.
وإلى جانب الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس الذي دخل السباق قائلًا: إن التحالف بحاجة إلى "تجديد وجهات النظر"، كانت المجر بدورها، آخر عضو بالأطلسي رافض وينتقد بشكل متزايد، لموقف الناتو بشأن أوكرانيا.
ولهذه الغاية، أخبر ستولتنبرغ في يونيو/حزيران الحالي، رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أن بودابست يمكن أن تختار عدم المشاركة في بعض خطط الناتو المتعلقة بأوكرانيا، مثل محاولة جعل الحلف يلعب دورًا أكبر في تدريب القوات الأوكرانية، والنأي عن خطط زيادة الدعم العسكري لكييف.
من هنا، وقبل أسابيع فقط من انعقاد اجتماع الأطلسي المقبل بواشنطن، التقى روته بأوربان على هامش قمة "الناتو" ببروكسل في حزيران الحالي، وطمأنه بأنه سيحترم الاتفاق، ثم قام بوضع تفاصيل اتفاقهم كتابيًّا.
ليس هذا فحسب، وبعد اجتماع بروكسل في 19 الجاري، أكد روته أنه يدعم هذه الصفقة بشكل كامل وسيواصل القيام بذلك، إذا أصبح الأمين العام المقبل للناتو. ومباشرة رد أوربان عليه، في تغريدة على موقع X قائلًا: "في ضوء تعهده (أي روته)، فالمجر مستعدة لدعم مساعي رئيس الوزراء روته في تطلعاته لمنصب الأمين العام للأطلسي".
في المحصّلة، وعلى افتراض أن الدول الأعضاء "بالناتو" سيعلنون رسميًّا اسم روته كأمين عام للناتو الأسبوع المقبل، غير أنه لن يباشر عمله إلا في الخريف المقبل. لكن ما يجدر التوقف عنده جيدًا، هو المديح الذي كاله الرئيس جو بايدن بحق ستولتنبرع، وتعبيره عن حزنه لرؤيته يرحل.
والأنكى، أن بايدن ذهب أبعد من ذلك خلال اجتماعه بالمكتب البيضاوي مع ستولتنبرغ هذا الأسبوع، حيث خاطبه قائلًا "لقد كنت رائعًا.. أتمنى فقط أن تمدد فترة ولايتك 10 سنوات أخرى". وهذا إن دلّ، فعلى مدى التبعية والتأثير الأمريكي على أمين عام الناتو، الذي لا يخرج عن كونه دمية أمريكية متحركة، بغض النظر عن اسم شاغل المنصب.

alafdal-news
