نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
حين استعدت أمام محمد اركون، الدماغ الجزائري الفذ، وكان آنذاك أستاذ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون، وصف برنارد لويس للشرق الأوسط بـ"العربة العتيقة التي تقودها آلهة مجنونة"، علّق ضاحكاً "ما رأيك أنت كأحد ركاب تلك العربة؟"، ليضيف "هل ثمة من آلهة مجنونة الآن سوى الإله الأميركي الذي جريمته الكبرى وقوفه وراء اغتيال الزمن في الشرق الأوسط ؟".
ورثة المستشرق الأميركي، البريطاني الأصل، الذين ينشطون، بحمولة توراتية، وحتى بحمولة تلمودية، داخل معاهد البحث الأميركية، بالتأثير الديناميكي على مراكز القرار، يحاولون الآن إعادة تأجيج النيران بين ضفتي الخليج، مع أن اتفاق بكين بين الرياض وطهران، في 10 أذار 2023، فتح الأبواب أمام "وعي مختلف" للتداعيات الدرامية للصراعات العبثية في المنطقة، وإلى حد ما لشق الطريق إلى تعاون لبلورة رؤية مشتركة للمسار السياسي والاستراتيجي للمنطقة، بالرغم من ضغط واشنطن لإبقاء العلاقات بين البلدين داخل إيقاعِ بطيء ومتقطع.
ندرك مدى اختراق هؤلاء، وبوسائل شتى، لمفاصل الدولة العميقة. الآن يحاولون إثارة أكبر كمية من الشكوك بين الجانبين العربي والإيراني.
يقولون أن القنوات مفتوحة بين إدارة جو بايدن والقيادة الإيرانيّة، ربما توصلاً إلى صفقة ما قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، ليشيعوا سلسلة من الآراء، والتصورات، المتناقضة.
من تلك الآراء أن اندلاع حرب واسعة النطاق سيكون لمصلحة إيران التي لا بد أن تنجح في تكثيف حضورها (وتأثيرها) الجيوسياسي في المنطقة العربية، ما دام منطق اللعب في الزوايا يتقدم على أي منطق آخر.
يتساءلون ما إذا كان التدخل الإيراني في أي حرب، ضد لبنان تحديداً، وسواء كان التدخل عملانياً أم لوجيستياً، يستتبع تلقائياً التدخل الأميركي.
أحد معلقي "فوكس نيوز" سأل "ترانا نقف مكتوفي الأيدي إذا ما شاهدنا إسرائيل تحترق؟". أي شرق أوسط في هذه الحال إذا تسنت لكم مشاهدة فيلم فرنسيس فورد كوبولا عن التجربة الفيتنامية "الرؤيا الآن" Apocalypse Now ؟
الباحثون، ومن أبرزهم الديبلوماسيان دنيس روس واليوت آبرمز، يرون في التناقض في قراءة الوقائع أو في قراءة الاحتمالات، "رؤية الأشياء من زوايا مختلفة".
لذلك ثمة من يرى، وسيتم الترويج لذلك، أنه حتى الحل الديبلوماسي للوضع سيكون لمصلحة إيران. آموس هوكشتاين يلتقي، حين يزور بيروت، سياسيين وعسكريين، لكن عينيه ـ بالأشعة ما تحت الحمراء ـ على ما تقوله الضاحية الجنوبية.
وما بات شبه مؤكد أن المبعوث الأميركي وضع مشروعاً متكاملاً لمعالجة مشكلة الحدود البرية بين لبنان واسرائيل، حتى أن اليوت آبرامز تساءل، عبر منصة اكس، ما إذا "كنا سنرى سفيرتنا في بيروت ليزا جونسون على مائدة نصرالله ؟".
من هنا دعوة أركان اللوبي اليهودي الذين يراهنون على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إلى إقامة تفاهم استراتيجي (والمقصود تحالف استراتيجي) بين الدول العربية "المعنية بالخطر الإيراني" والدولة العبرية، ما يساعد على احتواء احتمالات الصفقة من جهة، واحتواء نتائج التفجير من جهة أخرى.
هذا الكلام لا يكتب ولا يقال ليبقى داخل الغرف المقفلة، لدى اللوبي اليهودي، بسياساته الأخطبوطية، ما يكفي من الإمكانات لتسويق تلك الآراء، ولاختراق الكثير من الرؤوس في المنطقة، والتي تتوجس مما تحمله الأيام المقبلة في ظل نوع من الخواء الدولي، والخواء الإقليمي، على السواء.
حين نقلنا بعض ما قرأناه، وما علمناه، إلى ديبلوماسي خليجي صديق، قال لنا "كن واثقاً أننا نحتسب خطواتنا بمنتهى الدقة، وإن كان أحد لا يستطيع التكهن ليس فقط إلى أين يتدحرج الشرق الأوسط، بل إلى أين تتدحرج الكرة الأرضية...".

alafdal-news
