طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
تقاطعت كل المعلومات والمعطيات التي تجمعت لدى مختلف الأوساط السياسية والمهتمة خلال الساعات الثماني والأربعبن الماضية على استبعاد نشوب الحرب الواسعة النطاق التي تهدد إسرائيل وتتوعد لبنان بها لمصلحة العودة بالجبهة الجنوبية إلى قواعد الاجتماع التي كانت قائمة قبل 8 تشرين الأول الماضي عندما فتح حزب الله حرب الإسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة في مواجهة الحرب التدمرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة برمته منذ ذلك الحين وحتى اليوم بذريعة الرد على عملية طوفان الأقصى التي أفقدتها قوة الردع و"الجيش الذي لا يقهر".
وتقول مصادر معنية أن محاولات البعض لاستدراج إسرائيل إلى قصف مطار بيروت لترد المقاومة بقصف مطار بن غوريون لتنشب الحرب عندها تلقائيا، كانت آخر المحاولات في هذا الاتجاه قبل أن تنحسر لغة التهديد والوعيد الإسرائيلية بتلطيفها بكلام عن حلول ديبلوماسية يكثر الآن في ضوء اللقاءات الأميركية ـ الإسرائيلية المتلاحقة في واشنطن وأبرزها اللقاءات التي يعقدها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حيث التقى وزيرا الخارجية والحرب انتوني بلينكن ولوبد أوستن وآخرين.
وقد تبين للمعنيين، حسب المصادر نفسها، أن رواية صحيفة "التلغراف" البريطانية الأخيرة عن صواريخ إيرانية خزنها حزب الله في المطار، ينطبق عليها شعار "صنع في لبنان" لأنها من "فبركة" محلية، حيث إن هناك قوى سياسية تناصب حزب الله العداء وهي تكمن له الآن أو على الأقل تتوقع له "النهاية" أو "التقويض" في الحرب التي يتوقع ( هذه القوى) أن تشنها إسرائيل عليه، إذ في هذه الحال تخلو لها الساحة السياسية الداخلية لفرض خياراتها السياسية والرئاسية وكل مشاريعها بلا معارض أو منازع، خصوصا إذا زال نفوذ الحزب وحلفائه.
وخلافا لكل ما قيل، تؤكد هذه المصادر، بأن بريطانيا ليست متورطة في رواية التليغراف فهي تملك قاعدتين عسكريتين في الجزيرة تعتبران أرضا "ذات سيادة بريطانية" ولذلك هي أذكى من أن تقع في خطأ أو تضليل من هذا النوع لو أرادت الرد على تهديدات السيد نصرالله لقبرص، بحيث ينفضح أمرها بأنها تحرض إسرائيل على قصف مطار بيروت وتدميره بذريعة وجود مخزون من صواريخ "فجر" و"فلق" الإيرانيتين لحزب الله فيه لتتسبب باندلاع حرب واسعة النطاق على لبنان.
تؤكد المصادر أن حزب الله وحلفاءه تجمعت لديهم كل المعلومات والمعطيات الكافية عن الجهة التي تقف خلف الرواية "التلغرافية" وهي جهة محلية لبنانية تعاونت مع جهة خارجية ليست بريطانية، وسيتم الكشف عن هاتين الجهتين لاحقا بعد أن تكون هدأت الأجواء و"ذاب الثلج وبان المرج" واكتشف "الكامنون" للحزب أن ما راهنوا عليه كان في غير محله، أو عبارة عن أوهام أو "نسيج في الهواء" لأن الحرب التي يحاولون استدعاءها لن تنشب، ولأن إسرائيل ليست قادرة على شنها لفشلها في تأمين المستلزمات السياسية والديبلوماسية العسكرية كتلك التي توافرت لها عند شنها الحرب على غزة والتي لم تنته فصولها بعد منذ 8 تشرين الأول الماضي وحتى اليوم من دون أن تحقق "النصر" الذي تراهن عليه لاستعادة قوة الردع التي فقدتها. في الوقت الذي عادت قوة المقاومة الفلسطينية إلى التعاظم في مواجهتها رغم كل القتل والمجازر والدمار في غزة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، إذ لا تزال المقاومة صامدة فيها وتتصدى وتلحق يوميا بالجيش الإسرائيلي الضربة الموجعة تلو الأخرى. وحسب المعطيات فإن قيادة المقاومة في غزة أبلغت في الأيام الأخيرة حلفاءها أنها استقبلت الألوف من المتطوعين الجدد للقتال في صفوفها وأنها قادرة على الصمود لفترة طويلة.
ويشير مطلعون إلى أن رواية "التليغراف" جاءت غداة تحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لقبرص من أنها ستكون هدفا للمقاومة إن هي فتحت أراضيها لتكون مصدرا لهجوم إسرائيل وحلفائها على لبنان، إذ اعتبر كثيرون أنه قصد بطريقة غير بريطانيا وليس قبرص وفق المقولة الشعبية "احكي الكنة لتسمع الجارة" في اعتبار أن إسرائيل لا تستخدم قواعد قبرصية في الجزيرة لأغراض عسكرية وإنما تستخدم القاعدتين البريطانيتين فيها. وقد اعترفت الحكومة القبرصية للبنان خلال الاتصالات التي جرت الأسبوع الماضي لاستيعاب الأزمة الديبلوماسية بين البلدين أن المناورات الإسرائيلية التي حاكت حربا على لبنان إنما جرت قبل أشهر في داخل القاعدتين البريطانيتين اللتين تقعان تحت السيادة البريطانية المباشرة وبالتالي لم يكن للسلطات القبرصية أي قدرة على منعها.
وإذ تحدث رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى قناة "روسيا اليوم" عن أن لبنان أمام "شهر مصيري" ظن كثيرون أنه يقصد أن الحرب التي تهدد بها إسرائيل ستنشب في حال عدم نجاح المساعي الدبيلوماسية لترتيب الوضع على الجبهة الجنوبية، ولكن تبين للذين تفاعلوا مع هذا الموقف من قوى سياسية وحتى من دول، أن الرجل لم يقصد بتعبيره "الشهر المصيري" موضوع الحرب التي تهدد بها إسرائيل فقط، وإنما قصد أيضا أن لبنان سيمضي إلى مزيد من الفراغ الرئاسي والمؤسساتي ومن تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية بعد شهر من الآن لأن الولايات المتحدة الأميركية تكون قد دخلت في "كوما" الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 تشرين الثاني المقبل، وكذلك دول القارة الأوروبية ولا سيما منها فرنسا وبريطانيا بعد تصاعد التطرف في القارة العجوز والذي كانت أولى إرهاصاته في انتخابات الاتحاد الأوروبي الأخيرة حيث تفوق فيها المتطرفون ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى حل البرلمان الفرنسي وتنظيم انتخابات جديدة قريبا وستحذو حذوه دول أوروبية أخرى بعد بريطانيا التي تستعد هي الأخرى الآن لانتخاب مجلس عموم جديد.
في المختصر المفيد وانطلاقا مما لدى المعنيين من معطيات فإن الحرب الواسعة باتت مستبعدة، أقله الآن، ولكن إن حصلت فإن المقاومة قد استعدت لها، على ما تقول أوساطها، ولكن غالب الظن أنها لن تقع، أو على الأقل لم يأت أوانها بعد لأنها ستكون حربا بلا ضوابط، وحرب الحسم النهائي بين محورين محور يريد عودة فلسطين التاريخية إلى أهلها، ومحور يريد لقضية فلسطين أن تزول إلى غير رجعة. الفلسطينيون وحلفاؤهم يريدون العودة إلى دولتهم التاريخية من البحر إلى النهر فيما الإسرائيلي يريد لـ"دولة إسرائيل" أن تكون هي "من البحر إلى النهر" خالية من أي وجود فلسطيني سواء في غزة أو في أراضي 1948أو في الضفة الغربية. وقد دل إلى ذلك تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة برفضه أن تكون هناك دولة فلسطينية سماها "دولة ارهاب" في إطار "حل الدولتين" أو غيره. وكذلك كلام الوزراء المتطرفين في حكومته ولا سيما منه وزير المال سموتريتش الذي أعلن أن الضفة الغربية لن تكون جزءاً من دولة فلسطينية مع العلم أن "حل الدولتين" يلحظ أن تكون هذه الدولة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة رغم التباعد الجغرافي بينهما.
لكن كلام الوزير الإسرائيلي يؤكد أن عدم أن تكون الضفة جزءا من الدولة الفلسطينية يعني أنها تنتظر مصير قطاع غزة نفسه وما يحصل يوميا من اعتداءات على سكانها يدل على أن في الأمر تحضيرا لقتلهم وتهجير من ينجو منهم إلى الأردن، وطبيعي فإن عرب الجليل وغيره سيلقون المصير نفسه من قتل وتهجير في اتجاه لبنان. وللعلم أن أكثر من 50% من سكان القطاع الذين يتعرضون للقتل والتهجير هذه الأيام هم في الأساس من عرب أراضي 1948 الذين طردوا منها إليه عبر الحروب المتكررة.

alafdal-news



