كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
آخر المبادرات الدّاخليّة في لبنان، لتحريك الجمود في انتخابات رئاسة الجمهوريّة، كانت "لنواب المعارضة"، وفق تسميتهم، وهؤلاء يمثّلون حزبَي الكتائب و"القوات اللبنانيّةِ" وحركة تجدّد ونوّاب تغييريّين، وتعدادهم ٢٩ نائبًا، يجمعهم الموقف المناهض للمقاومة، ونزع سلاحها تطبيقًا للقرارين الدوليين ١٧٠١ و١٥٥٩، وهم وفق تحرّكهم واتصالاتهم قريبون من السياسة الأميركية في لبنان خصوصًا والمنطقة عمومًا.
فموقف هؤلاء النّواب في مبادرتهم هو الدّعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، دون أن تمرّ بحوار، ولا "فيتو" على "التّشاور" دون أن يدعو له الرئيس نبيه بري، الذي سبق وقدّم اقتراحًا يدعو لحوار لمدة سبعة أيام في مجلس النواب، وبعده تبدأ جلسات انتخاب رئيس للجمهوريّة، وقد تعقد جلسة واحدة، ولا يطول الحوار، إذا حصل توافق على مرشّح، أو التنافس بعد الحوار، وهذا ما رفضه "النواب المعارضون" تحت عنوان، تطبيق الدستور، وعدم خلق "عرف" قبل أيٌ استحقاق رئاسي، بأن يحصل الحوار ثم الانتخاب، وهذا ما لم يفعله رئيس مجلس النّواب نبيه بري الذي، طبّق الدّستور بالمادة ٧٣ منه، ودعا في أيلول ٢٠٢٢، لانتخاب رئيس للجمهورية، وقبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بشهرين، ودعا إلى دورات عدة لانتخاب الرئيس فبلغت ١٢ جلسة، وتوقفت في ١٤ حزيران، لأن أيًّا من المرشّحين لم يحصل على الثّلثين من أصوات النواب ٨٦ صوتًا في الدورة الأولى، فنال كل من الوزير السّابق جهاد أزعور ٥٩ صوتًا ومنافسه رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية ٥١ صوتًا، وما زالت المعادلة قائمة منذ أكثر من سنة، دون أن يحصل أي تقدّم في الملف الرئاسي، لا داخليًّا، ولا على الصعيد الخارجي، لا سيما "اللّجنة الخماسيّة" التي تضم خمس دول فاعلة وفي موقع القرار دوليًّا وإقليميًّا وعربيًّا، ومؤثّرة في لبنان، وسبق لها وساعدته في إنهاء حروبه أو أزماته، كالسعودية في اتفاق الطائف، وقطر في اتفاق الدوحة، وبالتنسيق مع أميركا، كما أن فرنسا تفرّغت إدارتها للبنان، منذ عقود، ولكن كان حضورها القوي بعد انفجار مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠، وإرسال موفدين إلى لبنان، للمساعدة في حل الأزمة اللبنانية وأبرزهم الموفد الرئاسي جان إيف - لودريان.
فالمبادرات الدّاخليّة دخلت في "إجازة صيفية"، ولو طرح "نواب المعارضة" مبادرة باسمهم، وهي ولدت ميتة كالذي سبقها من حراك نيابيّ أو سياسيّ أو روحيّ يدفع لانتخاب رئيس للجمهورية، لكن المراوحة الرّئاسيّة، ما زالت في مكانها، وتدور كلّ المناورات في حلقة مفرغة، لأسباب داخليّة لبنانيّة، أو خارجيّة في تحرّك لبعض الدول، لأنّ رئيس الجمهوريّة في لبنان ينتخب نتيجة ظروف دوليّة - إقليميّة تساهم التّسوية اللبنانيّة، في صناعته، وهذا هو تاريخ انتخابات الرّئاسة الأولى منذ العام ١٩٤٣، حتى آخر انتخابات عام ٢٠١٦.
من هنا، فإنّ الاستحقاق الرئاسي مؤجّل على ضوء ما سيحصل في الحرب الإسرائيليّة المدمّرة على غزّة، وتداعياتها العسكرية التي انسحبت على كل ساحات المقاومة، ومنها لبنان، الذي فتح فيه " حزب الله" جبهة الجنوب إسنادًا لغزّة وإشغالاً لجيش الاحتلال الإسرائيليّ، وهذا ما حصل فعليًّا، إذ شكّلت جبهة الجنوب إرباكًا وإخفاقًا للعدوّ الإسرائيليّ، الذي خرج من شمال فلسطين المحتلة، بمستوطنيه الـ ١٠٠ ألف ومؤسساته الصناعية والزراعية وتعطيل الحركة الاقتصادية، واعترف قادة العدوّ بما حصل على جبهة الشمال، وتدمير المواقع العسكرية، وتهديد مرافق هامة في حيفا وجوارها، وبنك أهداف المقاومة، التي صورها "الهدهد"، ونشرها الإعلام الحزبي للمقاومة.
فنتائج الحرب على غزّة، سيكون لها تأثير جيوسياسيّ على المنطقة كلها، ورسم جغرافيا جديدة تكون فلسطين أساسها وهذا التّغيير قد يشمل أنظمة إذا ما انتصر محور المقاومة، الذي لن يفرّط بموقع رئاسة الجمهوريّة.