خليل حرب - خاصّ الأفضل نيوز
لم تعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول حتمية التقارب مع دمشق، مجرد ألاعيب انتخابية كما كان الحال منذ أكثر من عام. توالي المواقف وتواترها، يشي بأن أنقرة وضعت نصب عينيها، كسر الجليد.. أو بالأحرى شلالات الدم التي تسببت بها خلال الأعوام ال13 الماضية.
يقول أردوغان بوضوح أنه أعطى تعليماته لوزير خارجيته حقان فيدان للبدء باستعادة العلاقات بين البلدين وأن الوزير فيدان مخول من جانبه بتنظيم اجتماع ممكن مع الرئيس بشار الأسد "في دولة ثالثة" تشير التوقعات بأنها قد تكون بغداد التي تقوم بـ"وساطة" بهذا الصدد منذ أسابيع، حتى برغم التقارير التي تتحدث عن رغبة موسكو بأن تكون هي الراعي الرسمي لأي اختراق في العداء الذي استحكم ما بين أنقرة ودمشق.
تلاشت على ما يبدو "الشروط الكبرى" التي كانت أنقرة تتمسك بها في التعامل مع ملف حرب سوريا، وعليها، وتتوالى في المقابل التصريحات "الأردوغانية الإيجابية" لملاقاة جهود بغداد (وموسكو وطهران أيضا). ولت دعوات تغيير النظام والصلاة في الجامع الأموي و"حرية" السوريين الذين تسببت "المغامرة السورية" لأردوغان منذ العام 2011، بخراب مقومات الملايين منهم.
يستذكر أردوغان الآن طيب الأيام التي جمعته يوما ما بالأسد، وقد يحذو حذوه قريبا أمير قطر تميم بن حمد. "دويلة إدلب" قد لا تعود ملاذا آمنا للرهانات والحسابات الإقليمية والدولية. و"الإدارة الذاتية" للأكراد في الشرق السوري، قد لا يمكنها الرهان مطولا على حماية جو بايدن الذي لم يعد بإمكانه حماية بقائه هو نفسه في البيت الأبيض، ولا توفير الحماية لمنافسه الجمهوري دونالد ترامب الذي كاد يقتل برصاصة مشبوهة. أميركا ليست بأحسن أحوالها، وعلى الجميع هنا، في الإقليم، إعادة حساباتهم في خصوماتهم بينما الكيان المسعور، يخوض في دماء أهل المنطقة وشعوبها منذ نحو 300 يوم.
الغلبة قد تكون أخيرا للمصالح المتقاربة بين أنقرة وبغداد وطهران ودمشق، في السياسة والأمن والاقتصاد. الاستقرار الإقليمي يخدمها بالتأكيد الآن، وأنقرة من جهتها، التي تريد مواكبة انفتاح الرياض وأبو ظبي والقاهرة والمنامة وغيرها على دمشق، تحتاج أيضا إلى الاستعداد لنتائج الانتخابات الأميركية، مع احتمال مجيء ترامب الذي سبق لها أن اختبرته عندما حاول إخراج القوات الأميركية من الشرق السوري بلا سابق إنذار.
ويحتاج أردوغان أيضا إلى تخطي قوى المعارضة التي تتهمه بالتباطؤ في معالجة ملف الحرب السورية وقضية النازحين، لدرجة أن بعض شخصيات المعارضة تعهدت بالمبادرة من جانبها إلى الانفتاح على الأسد قريبا. ويتحتم على الرجلين إيجاد الوسيلة المُثلى للتعامل مع التحدي الثنائي المتمثل بـ"الإدارة الذاتية" في الشرق السوري، و"دويلة" الفصائل المسلحة في إدلب، خصوصا بعدما أظهرت الاحتجاجات الدموية الأخيرة التي جرت في مناطق الاحتلال التركي، أهمية قيام أنقرة بتسوية هذا الوضع نهائيا.
صحيح أن معالجة خط التوتر التركي-السوري، يحظى باهتمام بغداد وطهران وموسكو أيضا، لما يمكن أن يجني من مكاسب للعواصم الأربع، لكن هناك أيضا عناصر عراقية خاصة، تتمثل بحاجة محمد شياع السوداني إلى "إنجاز" دبلوماسي كبير، يعزز صورته قبل انتخابات العام 2025، وحاجته أيضا إلى المضي قدما في مشروع "طريق التنمية"، خصوصا بعدما استقطب إليه الاهتمام من الإمارات وقطر، ماليا وسياسيا. العراق هنا قد يكون جسرا للتلاقي التركي-القطري مجددا مع دمشق بعد قطيعة العام 2011 بسبب تعثر مشروع خط الغاز القطري.
وفي المقابل، سيكون من مصلحة دمشق إظهار استمرار تماسكها، وفي الوقت نفسه، فتح الآمال أمام ملايين السوريين بأن مرحلة العشرية السوداء التي شهدتها البلاد، على وشك الانطفاء. تحت وطأة جرائم "قانون قيصر"، فإن "البوابة العراقية" قد تكون مدخلا لسوريا للاستفادة من مشروع "طريق التنمية"، العراقي-التركي في جوهره... إن صدقت نوايا –وأفعال- أردوغان هذه المرة.