ملاك درويش - خاصّ الأفضل نيوز
تعتبر الطائفة الحريدية إحدى الفئات الأكثر تعقيدًا وتأثيرًا في السياسة الداخلية والخارجية بما فيها المجتمع الإسرائيلي.
إذ يعيش هؤلاء المتدينون كما يطلق عليهم حياة مغلقة ومتشبثة بتقاليدهم الدينية الصارمة، مما يجعلهم بعيدين عن المشاركة الفعلية في الدفاع عن الدولة.
ومع تجدد النقاش في الآونة الأخيرة حول تجنيد الحريديم إجباريًا في الجيش الإسرائيلي، تصاعدت موجة من الاحتجاجات والمظاهرات، كاشفة عن التوترات العميقة التي تهدد الاستقرار الداخلي في إسرائيل.
الحريديم وتأثيرهم في الداخل الإسرائيلي؟
الحريديم يمثلون حوالي 12% من سكان إسرائيل، ويعيشون في مجتمعات مغلقة تعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي.
فارتفاع معدلات الإنجاب وتفانيهم في التمسك بالتقاليد الدينية يعزز من عددهم ونفوذهم السياسي. وفي الوقت نفسه، يعتمدون على الأحزاب السياسية الحريدية التي غالبًا ما تكون جزءًا من التحالفات الحكومية، مما يمنحهم القدرة على التأثير في السياسات العامة والحفاظ على امتيازات خاصة، إحدى هذه الامتيازات هي إعفاؤهم من الخدمة العسكرية الإلزامية، مما يثير استياء العديد من الإسرائيليين العلمانيين الذين يرون في ذلك عدم عدالة وتفاقم للفجوة الاجتماعية. هذا الامتياز يجعل الحريديم غير مستعدين للمساهمة في الدفاع عن الدولة، وهو ما يضعف من تماسك المجتمع الإسرائيلي.
وفي مقابل ذلك واليوم، تزايدت الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لدمج الحريديم في الجيش، وخاصة بعد تصاعد التوترات بين المجتمعين الحريدي والعلماني. بعد السابع من أكتوبر والخسائر الفادحة في صفوف العدو قررت الحكومة تقليص الإعفاءات وتوسيع نطاق التجنيد ليشمل الحريديم، مما أدى إلى موجة من الاحتجاجات والمظاهرات الضخمة في القدس وتل أبيب. رفض قادة الحريديم هذه القرارات بشدة، مؤكدين أنها تتعارض مع حريتهم في ممارسة الدين والتقاليد،
وأظهرت الاحتجاجات ضد التجنيد الإجباري عمق التوترات في المجتمع الإسرائيلي.
فإغلاق الشوارع الرئيسية والمواجهات مع الشرطة أثرت بشكل كبير على الحياة اليومية في المدن الكبرى، وكشفت عن هشاشة النظام السياسي والاجتماعي. وفي السياق جدد الحاخام الأكبر في إسرائيل يتسحاق يوسف، الثلاثاء الماضي، رفضه الخدمة الإلزامية للمتدينين "الحريديم" في الجيش الإسرائيلي، وحرض الحاخام الأكبر أبناء طائفته على عصيان أوامر الاستدعاء وقال لهم: "لا تذهبوا".
وفي مقطع فيديو نشره موقع "واي نت" سمع الحاخام الأكبر في إسرائيل وهو يتحدث ضد تجنيد الأعضاء المتشددين في الجيش الإسرائيلي: "لن ينجح ذلك.. وهو في التوراة.. كل ابن توراة معفى من الذهاب إلى الجيش حتى أولئك الذين هم عاطلون ولا يدرسون".
تجنيد الحريديم إجباريًا يمثل تحديًا كبيرًا أمام الحكومة الإسرائيلية، ويكشف عن التوترات العميقة التي تهدد استقرار ما يسمى بالدولة، فتأثير الحريديم على السياسة الداخلية كبير، وأزمة التجنيد أظهرت مدى تعقيد هذا التأثير. فهل هذه الأزمة ستكون بمثابة فرصة لاستغلال الاضطرابات الداخلية في إسرائيل وزعزعة استقرارها داخليا وخارجيا؟
إن إخفاقات الحكومة الإسرائيلية مؤخراً قد تزيد من التفكك في الداخل الإسرائيلي، فالاستمرار في هذه السياسات قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الداخلية،فهذا القرار قد يتسبب في إدخال البلاد في صراعات قانونية وسياسية جديدة تطال تداعياتها الحكومة الائتلافية الحاكمة التي يتزعمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي تعتمد على حزبين دينيين للعمل كأغلبية، وفقا لمراقبين.
الحكومة الإسرائيلية اليوم ستكون أمام تهديد كبير من الأحزاب الدينية واليمينية التي قد تقوم بإسقاطها في حال المضي قدما في تجنيد الحريديم.