د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي - خاص الأفضل نيوز
يبدو أن اللبنانيين وجدوا أخيرًا من تفوق عليهم بأساليب الفساد الذي ضرب هذه المرة الصين. إذ تم الكشف عن فضيحة مدوّية هزت البلاد بأكملها، بعدما جرى نقل كميات غير معروفة من الزيوت المخصصة لتحضير الطعام، في شاحنات كانت تحمل وقودًا في السابق دون تنظيفها.
وعلى الفور أشعلت هذه الفضيحة غضباً واسع النطاق بين الأسر الصينية، وأدت الى نشوء حالة الذعر بين المتسوقين الذين كانوا يبحثون عن ضمانات بأن الزيت الذي كانوا يستخدمونه في القلي السريع كل يوم في المنزل - وهو زيت فول الصويا الأكثر شيوعًا - لم يكن ملوثًا بالمواد المسرطنة، أو المعادن الثقيلة أو غيرها من المواد السامة.
وتعقيبًا على ذلك، قال تسنغ كيوين، رئيس رابطة صناعة الأغذية في مدينة قوانغتشو الصينية، في مقابلة، إن الحادث ترك المستهلكين عاجزين لأنه من الصعب تجنب استخدام الزيت أو اختبار جودته بقوة.
إشارة إلى أن هذه الكارثة، أتت قبل أيام قليلة من عقد الزعيم الصيني شي جين بينغ اجتماعًا رفيع المستوى للحزب الشيوعي، حيث كانت أجندة "الرخاء المشترك" في مقدمة الأولويات الحكومية.
وكيف بدأت هذه الفضيحة؟
خلال الأسبوع الماضي ذكرت صحيفة "بكين نيوز" التي تديرها الدولة، أن أكبر شركة حبوب تديرها الدولة في البلاد، "سينوغرين"، كانت تنقل زيت الطهي في شاحنات (صهريج) تستخدم أيضًا لنقل الوقود المشتق من الفحم، دون القيام بغسل هذه الصهاريج، وبالتالي التأكد من خلوها من أي مخلفات أو آثار للوقود.
وماذا عن التحقيقات الرسمية؟
مع انتشار خبر قضية الفساد هذه، سارعت السلطات للسيطرة على تداعيات هذه التسريبات.
لذا، وفي محاولة واضحة لمنع تفاقم الفضيحة، أطلق مجلس الوزراء الصيني، مجلس الدولة، في 11 تموز الجاري، تحقيقاً مشتركاً بين الإدارات المعنية بنقل زيوت الطعام، ووعد بفرض "عقوبات صارمة" على المتورطين بالأمر.
أما الصدمة الكبرى، فكانت أن التحقيق المفصل للصحيفة الصينية، والذي استند إلى أسابيع من تتبع الناقلات وإجراء مقابلات مع السائقين، وجد أن الاستخدام المختلط للشاحنات كان "سرًّا مكشوفًا" في الصناعة، ووسيلة لشركات الشحن لخفض التكاليف، وجني المزيد من الأرباح.
بالمقابل، وعلى الرغم من أن مقدّمي خدمات النقل كانوا الجناة الرئيسيين، إلا أن شركات تصنيع زيت الطهي الكبرى، تميل إلى النظر في الاتجاه الآخر (أي غياب الرقابة الرسمية المطلوبة)، بحسب المقال، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى عدم وجود لوائح ملزمة قانونًا تحظر هذه الممارسة.
الجدير بالذكر، أنه كان تم الإبلاغ عن حوادث مماثلة لناقلات ملوثة في الصين من قبل، خصوصًا في العام 2005 عندما وجد المراسلون، أدلة على نقل دبس السكر في صهاريج تستخدم لنقل الديزل - ولم يتم تنظيف الصهاريج.
وهل يمكن اكتشاف تلوث زيت الطعام بمخلفات الوقود
في الحقيقة، وتعليقًا على هذه الفضيحة، كتب تشو يي، الأكاديمي في جامعة الصين الزراعية، على موقع Phoenix Media، (وهو موقع مقره في هونغ كونغ) إن الاختبار وحده لن ينجح". وأضاف أن "جزءًا من صعوبة اكتشاف التلوث، هو أن الهيدروكربونات المتبقية من الوقود غالبًا ما تكون صغيرة جدًا من حيث الكمية، بحيث لا تظهر في اختبارات زيت الطعام.
وأوضح تشو أن "صحيفة بكين نيوز وجدت ثغرات في عملية الشحن بالجملة لزيت الطعام برمتها، فضلاً عن الافتقار الجماعي للوعي والرقابة المتساهلة - مما يعني وجود جميع أنواع مخاطر الملوثات.
أما الجزء الآخر من المشكلة، يكمن بصناعة النقل، حيث تتنافس الشركات التي تملك الشاحنات وتكافح من أجل كسب المال في حالة الانكماش الاقتصادي. كما أن تنظيف الخزان (الصهريج)، قد يستغرق من أربع إلى خمس ساعات ويمكن أن يكلف ما يصل إلى 55 دولارًا، حسبما ذكرت مجلة Caixin المالية.
الصين وفضائح سلامة الغذاء
عمليًّا، ابتليت الصين بفضائح سلامة الأغذية والأدوية المزيفة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كان السعي وراء النمو الاقتصادي الجامح وفرص العمل، مصحوبًا بانعدام الرقابة الرسمية الصارمة.
ففي عام 2008، تم الكشف عن قيام إحدى الشركات المصنعة الكبرى لحليب الأطفال بإضافة الميلامين( وهي مادة كيميائية تسبب حصوات الكلى) إلى مسحوق الحليب لزيادة محتوى البروتين بشكل مصطنع. وخلص التحقيق إلى أن ستة أطفال لقوا حتفهم، بينما أصيب 300 ألف بالمرض، بسبب شرب التركيبة الملوثة والكلام هنا على ذمة صحيفة الواشنطن بوست.
ليس هذا فحسب، (واستنادًا للصحيفة أيضًا) كان زيت الطهي مصدر قلق خاص منذ أوائل عام 2010، عندما تبين أن العشرات من المطاعم والباعة المتجولين، يشترون زيت الطعام من السوق السوداء الرخيص الذي يتم إعادة تدويره من القمامة. ولهذه الغاية، يقوم العاملون في هذا التجارة المميتة، بالمرور على صناديق القمامة ومجاري تصريف المياه، ويستخرجون النفايات السائلة أو الصلبة منها، لا سيما تلك التي تحتوي على الزيوت المستعملة أو أجزاء الحيوانات. ثم يقومون بمعالجتها وتحويلها إلى زيت للطهي، ولاحقًا يعمدون إلى بيعه بأسعار أقل من السوق، لتجار المواد الغذائية الذين يستخدمونه لطهي الطعام.
في المحصّلة، إن هذه الفضيحة، تظهر الدور الكبير الذي تلعبه الصحافة بالكشف عن عمليات الفساد، وهو ما قامت به صحيفة بكين نيوز المعروفة بتقاريرها المعمّقة حول القضايا الاجتماعية، حيث يجازف صحفيوها على الدوام، للإضاءة على المخالفات والفضائح بين الشركات المملوكة للدولة والحكومات المحلية.