د. علي ناصر - خاصّ الأفضل نيوز
لولا المساعدات الأمريكية "لدولة إسرائيل" لكانت هذه الدولة انتهت منذ حرب عام 1973، ولكانت انتهت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولولا المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لها لما كان باستطاعتها أن تشن حربًا أو تخوض معركةً واحدة ولا أمكن لها أن تنفذ اغتيالاً واحداً فكل ما تملكه دولة إسرائيل من تكنولوجيا ومعدات عسكرية وبنية اقتصادية تدين به للولايات المتحدة الأمريكية.
تتصرف "دولة إسرائيل" على أنها فوق المحاسبة وتخرق القانون والأعراف الدولية من دون أي رادع أو خوف من الملاحقة، وتنتهك حقوق الإنسان وتقتل الأطفال وترتكب المجازر والإبادة الجماعية، والعالم عاجز عن محاكمتها. تُقدم "دولة إسرائيل" على أفعالها بعقل بارد ومطمئنة إلى أن قيادتها السياسية والعسكرية لن يقترب منها أحد بفعل الحماية الأمريكية التي كشفت عن خواء المجتمع الدولي وزيف قيمها.
تقدم الولايات المتحدة الأمريكية دعماً متزايداً ومستمراً "لدولة إسرائيل" من دون أي سقف وتؤمن لها الحماية السياسية والدولية وتمنع إدانتها في مجلس الأمن ومقاضاتها أمام المحاكم الدولية على الرغم اقترافها الجرائم الدولية التي لا تحتاج إلى جهد لإثبات ذلك ويشاهدها العالم بشكل يومي بفعل الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
أسس السياسة الأمريكية
تنطلق السياسة الأمريكية الدولية من قدرتها على خوض الحرب في البحار البعيدة وتمارس في الشرق الأوسط سياسة تفترض الهيمنة على النفط وتأمين جغرافيا المنطقة من النفوذ الروسي والصيني والحفاظ على أمن "دولة إسرائيل".
شكلت إسرائيل خلال فترة الحرب الباردة حلفا استراتيجياً للولايات المتحدة وكانت ضرورة وقيمة للغرب لمواجهة الدول العربية والشرق أوسطية التي تشكل حلفاً للاتحاد السوفياتي، ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وتراجع القيمة الاستراتيجية "لدولة إسرائيل" استمرت المساعدات الأمريكية كما كانت في أثناء الحرب الباردة. أدى تطور الصراع مع روسيا والصين والموقف الإيراني الصلب في مواجهة المشروع الأمريكي إلى إعادة إحياء الدور الإستراتيجي "لدولة إسرائيل" كحليف رئيسي للغرب والولايات المتحدة.
تنبع المأساة التي تضرب الوطن العربي من السياسة الأمريكية التي لم ترحم الشعب الفلسطيني ولا الشعوب العربية. وقع الوطن العربي ضحية الأخلاق السياسية الأمريكية فالقيم الأمريكية في السلب والنهب واستغلال الشعوب وتدبير المؤامرات وتغيير الأنظمة ودعم الاستبداد فعلت فعلها في الوطن العربي، والصراع مع الاتحاد السوفياتي فرز المنطقة جيوسياسياً وخضعت لميزان الصراع وفق قوانين الحرب الباردة وكانت نتيجة حرب عام 1967 خياراً حاسماً في الاتجاه الأمريكي لكسر الوطن العربي والعمل على تفتيته وبداية التدفق الكبير للمساعدات العسكرية الأمريكية اتجاه إسرائيل بعد أن أخذت دور فرنسا وبريطانيا عام 1956 أثر العدوان الثلاثي على مصر.
كيف تحمي الولايات المتحدة إسرائيل؟
تفوق المساعدات الأمريكية المقدمة لإسرائيل أي نوع من التقديمات والمساعدات التي قد تقدمها دولة إلى دولة أخرى. وتجاوزت المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقدمة إلى دولة إسرائيل 185 مليار دولار منذ تأسيس الكيان عام 1948 حتى عام 2024، وتتلقى مساعدة سنوية تتجاوز 3 مليار دولار التي تشكل ما يوازي 6% من حجم المساعدات الأمريكية الخارجية وهذا الأمر منفصل عن الحالة الاقتصادية العامة في إسرائيل المتعلقة بالنمو الاقتصادي ومعدل دخل الفرد، وهذا نفسه يعبر عن سخاء غير مفهوم خاصة إذا أدركنا أن الوضع الاقتصادي الداخلي "لدولة إسرائيل" لا يحتاج إلى تلك مساعدة.
جميع أعمال الاستيطان التي تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية والقدس المحتلة تتم عبر الأموال الأمريكية، وتشجع الإدارة الأمريكية المستوطنين، وهم بمعظمهم يحملون الجنسية الأمريكية، على ممارسة أعمال العنف ضد السكان الفلسطينيين، وتساعد الولايات المتحدة "دولة إسرائيل" على انتهاكها الدائم للقوانين الدولية من خلال تشريع الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة كما فعلت عبر الاعتراف بالجولان السوري المحتل بأنه "أراض إسرائيلية" في مخالقة واضحة للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة.
تمول الولايات المتحدة الأمريكية الصناعات العسكرية الإسرائيلية حيث جعلت منها متممة ومكملة لبعض الصناعات العسكرية الأمريكية مثل أجهزة استشعار الإلكتروني وخوذات الطيارين والردارات وغيرها. بلغت المساعدات العسكرية الأمريكية في عام 2024 "لدولة إسرائيل" 26.4 مليار دولار. إضافة إلى ذلك تزود الولايات المتحدة إسرائيل بأحدث الأسلحة المتطورة وأحدث التكنولوجيا وتقدم لها معلومات استخبارية باستمرار تمكنها من تنفيذ اغتيالات تعتمد على الرصد التكنولوجي أي إن الولايات المتحدة هي شريكة في التحضير والمشاركة في جميع أعمال القتل والاغتيال خاصة إذا علمنا أن إسرائيل كانت دائماً تُعلم الإدارة الأمريكية بأفعالها الأمنية والعسكرية قبل أن تنفذها، والأخطر من كل ذلك أن الولايات المتحدة تغطي البرنامج النووي الإسرائيلي وتعمل على عرقلة وضعه على أجندة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي بذلك تهدد السلم والأمن الدوليين في عمل مناقض لميثاق الأمم المتحدة.
تنحاز الولايات المتحدة "لدولة إسرائيل" في مختلف الحروب حتى في مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، في الحروب تمنع ادانتها في المحافل الدولية وقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 45 مرة لمنع إدانة "دولة إسرائيل" وأصدرت الإدارة الأمريكية بيانات بشكل دائم تعترض على القرارات الصادرة عن الهيئات الدولية التي تطالب إسرائيل بأخذ إجراءات تتوافق مع مجريات القانون الدولي أو تقدم استشارات مخالفة سياسياً لتوجه السياسة الإسرائيلية كما فعلت محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.
حتمية المواجهة مع الولايات المتحدة
تتكون المواجهة الحالية التي تجري منذ عملية طوفان الأقصى من محور المقاومة الذي يضم المقاومة الإسلامية في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن والمقاومة الفلسطينية في مقدمتها حركة حماس مدعومة من الدولة السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية والجهة المعادية تتألف من "دولة إسرائيل" تؤازرها الولايات المتحدة بشكل مباشر وتؤيدها معظم دول الغرب الاستعماري.
تعمل قوى المقاومة سواء في داخل فلسطين أو خارجها على تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة ويوجهون جميع حملاتهم نحو إسرائيل مع استثناء يتعلق بالمقاومة العراقية التي تحركت وبشكل متقطع وبعمليات عسكرية منخفضة المستوى ولم ترتقِ إلى مستوى العمليات المتواصلة التحريرية التي تفترض أطر تنظيمية مختلفة عن ما هو قائم، وجميع هذه العمليات تتعلق حصراً بالعراق وغير مرتبطة بفلسطين ومنذ عملية طوفان الأقصى نفذت المقاومة العراقية العديد من العمليات عبر الطائرات المسيرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الاستثناء الآخر يتعلق بما يجري في البحر الأحمر عبر المقاومة اليمنية التي شاركت بشكل مباشر في العمليات العسكرية ضد الكيان الصهيوني حيث أغلقت البحر الأحمر أمام السفن المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. تدخلت الولايات المتحدة مباشرة ضد المقاومة اليمنية وتخوض الآن مواجهة حقيقية على امتداد البحر الأحمر.
تخوض المقاومة في لبنان منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 عملية إسناد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التي بدورها تخوض حرباً شرسة في وجه الآلة الحربية الإسرائيلية وتقدم الولايات المتحدة مساعدات لوجستية واستشارات عسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتحرك بوارجها الحربية كلما شعرت أن إسرائيل قد تتعرض لهجوم من إيران أو المقاومة في لبنان على خلفية اعتداءات إسرائيلية سابقة في عملية تعرب عبرها عن استعدادها لخوض حرب من أجل حماية أمن إسرائيل.
تشكل السياسة الأمريكية العقبة الرئيسية التي تمنع هزيمة دولة إسرائيل ومحور المقاومة أمام خيارين: إما أن يعمل على وقف الدعم الأمريكي لها وهذا يفترض مواجهة مع الولايات المتحدة نفسها، أو يعمل على تعطيل الوظيفة الإقليمية لدولة إسرائيل في الشرق الأوسط وهذا يفترض ضرب الأدوات الأمريكية في المنطقة مما يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. وفي كلا الحالتين المواجهة مع الولايات المتحدة حتمية ولكن على محور المقاومة أن يتحرك على مستوى المنطقة وتوسيع مواجهة البحر الأحمر مع المقاومة اليمنية لتشمل جميع القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في العراق وسوريا التي سيكون لها تداعياتها على الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي ومجمل الشرق الأوسط. إن الفصل بين إسرائيل والولايات المتحدة يحمل في مضمونه تغشية سياسية والمواجهة مع الولايات المتحدة أصبحت أمراً حتمياً.

alafdal-news
