د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
تحولت المشاركة الأمريكية في عمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل بغزة، وتواطؤ إدارة الرئيس جو بايدن مع مذابح تل أبيب ومنحها الدعم العسكري والدبلوماسي، إلى لعنة تلاحق المرشحة للانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2024، كامالا هاريس.
فخلال الانتخابات التمهيدية التي تجري في كافة الولايات الأمريكية، والتي تسبق عادة الاقتراع المقرر في تشرين الثاني المقبل، دعا ناشطون مؤيدون للقضية الفلسطينية الناخبين إلى سحب دعمهم لبايدن بسبب تعامله مع الحرب بين إسرائيل وغزة. ولذلك اختار حوالي 700,000 ديمقراطي في جميع أنحاء البلاد خيارًا "غير ملتزم" أو تركوا بطاقات التصويت الرئاسية فارغة أو كتبوا أسماء (أو أشياء) أخرى. صحيح أن هذه الاحتجاجات تمثل نسبة ضئيلة من الناخبين — ولا توجد بيانات عن دوافع كل ناخب — غير أن بعض الخبراء الاستراتيجيين الليبراليين في الحزب الديمقراطي، أكدوا أنها تكشف عن نقاط ضعف في حملة هاريس الناشئة في بعض من أكثر ميادين الانتخابات تنافسية.
هاريس ومعضلة المجتمعات العربية الأمريكية
في الحقيقة، تواجه حملة هاريس الانتخابية مشكلة كبيرة خصوصًا في ولايات مثل ميشيغان، موطن أكبر المجتمعات العربية الأمريكية في البلاد. إذ اختار 13.3% من الناخبين الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية خيارًا "غير ملتزم". وبالمثل، في ولاية ويسكونسن، حيث فاز بايدن في العام 2020 بفارق حوالي 20,000 صوت( عن منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب)، تبنى أكثر من ضعف هذا العدد الموقف ذاته. وفي بنسلفانيا، حيث من المتوقع أن يكون الفارق ضئيلًا للغاية، كتب حوالي 60,000 شخص اسمًا بديلاً عن بايدن. تجدر الإشارة إلى أن جميع هذه الولايات الثلاث لها أهمية كبيرة في تحديد الفائز في انتخابات نوفمبر المقبلة.
وتبعا لذلك، وفي خطوة تهدف إلى امتصاص نقمة هؤلاء الرافضين للمجازر الإسرائيلية والدور الأمريكي فيها، أوضحت حملة هاريس في بيان أصدرته الأربعاء الماضي أن "نائب الرئيس تركز على تأمين وقف إطلاق النار مع ضمان حماية إسرائيل ضد إيران والجماعات الإرهابية المدعومة من طهران". كما أشارت إلى ضغطها السابق على إسرائيل لتخفيف معاناة الفلسطينيين. وأضاف البيان: "كما قالت هاريس، حان الوقت لإنهاء هذه الحرب بطريقة تضمن: أمن إسرائيل، وإطلاق سراح الرهائن، وانتهاء معاناة المدنيين الفلسطينيين، وتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق حقه في الكرامة والحرية وتقرير المصير".
وماذا عن موقف المعارضين لحرب غزة في ولاية بنسلفانيا؟
في الواقع، بعد أربعة أيام من انسحاب بايدن من السباق ودعمه لهاريس، وجه المحتجون في ولاية بنسلفانيا جهودهم مجددًا نحو هاريس. إذ قام المتطوعون بمشاركة تعهد رقمي (أي على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي) تضمن العبارة التالية: "إذا كانوا يريدون أصواتنا للرئاسة، فيجب عليهم القيام بكل ما في وسعهم لتحقيق وقف إطلاق النار."
وتعقيبًا على ذلك، سألت إحدى الموقعات، وتدعى أنيقة رايهان ـ طالبة حقوق تبلغ من العمر 28 عامًا في جامعة تمبل ـ "هل تريد صوتي؟ عليك أن تعامل الفلسطينيين كبشر حقيقيين." والكلام هنا يعود لصحيفة الواشنطن بوست.
ما يشعر رايهان بالقلق هو مواصلة الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بالأسلحة. فعندما أكدت إدارة بايدن الشهر الماضي أن الهدنة المؤقتة أصبحت أقرب من "أي وقت مضى"، تساءلت لماذا لم يضغط بايدن وهاريس أكثر في وقتٍ مبكر. وتابعت: "إذا صوتت لكامالا الآن، فهذا سيكون كأنني أخبر هؤلاء الأطفال، 'هذا لا يهمني'."
وفي السياق ذاته، أوضح جو كوريغان في حديث لوكالة الأسوشيتد برس (وهو منظّر استراتيجي ديمقراطي من فيلادلفيا) أنه "من الصعب معرفة عدد الديمقراطيين الذين سيبقى موقفهم من التهديد بعدم التصويت في نوفمبر. ومع ذلك، يجب على حملة هاريس عدم التقليل من أهمية الحركات القاعدية التي تركز على غزة." ولفت كوريغان إلى أن "هؤلاء ناخبون وناشطون ملتزمون بشكل كبير"، وقال: "هم نفس الأشخاص الذين سيطرقون الأبواب، ويجرون المكالمات الهاتفية، ويتطوعون لإرسال الرسائل النصية، وينظمون أماكن عملهم."
إلى جانب ذلك، لعبت حركة مناهضة للحرب في غزة في بنسلفانيا وتدعى "لا لوقف إطلاق النار، لا للتصويت"، دورًا كبيرًا في استنهاض العديد من المواطنين الأمريكيين، ودفعهم للتوقيع على تعهد مفاده: إذا لم تتوقف الهجمات على غزة قبل الانتخابات، وإذا لم تلتزم هاريس بفرض حظر على الأسلحة ضد إسرائيل، فلن نقوم بالإدلاء بصوتنا.
ومن أبرز الموقعين على التعهد ليا شيبرد وهانا زيلمان. انضمت شيبرد إلى الحركة بعد أن علمت أن معلم ابنها البالغ من العمر 7 سنوات كان منظمًا للحملة. وقالت إن الصور التي شاهدتها على إنستغرام — الحطام، والجثث، والأطفال الملطخين بالدماء — كانت تلاحقها.
المثير في الأمر أن أيًا من المرأتين لا تربطها علاقات بالشرق الأوسط. فكلتاهما يهوديتان، وتعتقدان أن القادة في واشنطن كانوا متساهلين جدًا مع بنيامين نتنياهو، الذي من وجهة نظرهما لم يتخذ أي خطوات نحو التوصل إلى تسوية خلال الأشهر التسعة الماضية. كما وجهتا اللوم إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضًا، لكنهما لم تتمكنا من محاسبته في صناديق الاقتراع. وكلاهما تشددان على أن الولايات المتحدة يجب ألا تستمر في تسليح جيش متهم بارتكاب مجازر ضد المدنيين.
في المحصلة، لمواجهة الحركات الاحتجاجية هذه، لا سيما في الولايات المسلمة والعربية، ترفع حملة هاريس فزاعة المرشح دونالد ترامب بوجه كل من يجاهر بعدم التصويت لهاريس، ومع ذلك يردّ هؤلاء الناقمون على هاريس ومواقفها المتذبذبة من الحرب على غزة بالقول: لا نستطيع تجاهل ضميرنا تجاه غزة.