كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
استحضار النائب غادة أيوب عضو "كتلة الجمهوريّة القويّة" التّابعة لحزب "القوّات اللبنانيّةِ" الماضي ونبش التاريخ، بأنّ المسلمين اضطهدوا الموارنة ونكّلوا بهم، في تحريض وتجييش للغرائز عن مرحلة تاريخيّة يوجد خلاف في وجهات النّظر حولها بين المؤرّخين، إنّما يقع في إطار العقليّة الطّائفيّة، التي قام عليها حزب "القواتِ اللبنانيّةِ" المولود من رحم حزب "الكتائب اللبنانية، الذي أسّسه بيار الجميل الجد، وقام على التّخويف من الآخر "المسلم"، وأن لبنان يميل انتماؤه إلى الغرب وليس إلى العالم العربي، للتّرابط الدّيني المسيحي معه، فلم يشذ نجله بشير الجميل عن ما كان يروّج له والده، من انعزال في الداخل، ابتعد عنه، عندما حصلت التسوية بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح عام ١٩٤٣، والتي سمّيت بـ "صيغة العيش المشترك"، التي لم تكن ثابتة، وتهتزّ عند كلّ حدث داخلي أو تحوّل خارجيّ، فيعود حزب الكتائب إلى الانعزالية، فكان بشير أجرأ من والده الذي أسقط صيغة "العيش المشترك" بين المسلمين والمسيحيين، ووجه اللوم إليه، وقام بانقلاب داخل الكتائب، وسيطر على الميليشيات في "المنطقة الشرقية"، ورفع شعار "الدويلة المسيحية بحدودها" من "جسر كفرشيما إلى المدفون" وحكمتها "القوات اللبنانيّة" برئاسة بشير، الذي صفّى كلّ من خالف مشروعه، فارتكب مجزرة إهدن عام ١٩٧٨ بقتل طوني فرنجية وعائلته وأنصاره، ونجا نجله سليمان، وتبع ذلك بإقدامه على مجزرة جديدة في الصفرا عند ساحل كسروان، بمحاولة اغتيال رئيس "حزب الوطنيين الأحرار" داني شمعون الذي نجا وقتل العشرات من محازبيه على يد " القوات اللبنانيّةِ" التي عادت وقتلت شمعون عام ١٩٩١، وكان سمير جعجع رئيسها.
هذه المؤسسة الحزبية التي أقامها بيار الجميل على رفض الآخر ، والتشبه بالنازية فكراً وممارسة، هذا ما يجعل كل من دخل فيها، أن ينطق بالطائفية، ويمارس لغة التخويف من الآخر، وبكر في التحالف مع العدو الإسرائيليّ، مع الوكالة اليهودية، ثم بعد نشوء الكيان الغاصب، وهذا ما تؤكده الوقائع وأبرزها الغزو الصهيوني للبنان صيف ١٩٨٢ ومشاركة "القوات اللبنانية" برئاسة بشير الجميل فيه، وقتل لبنانيين وخطفهم، ومنهم لم يعرف مصيرهم وهم بالآلاف، إضافة إلى مجزرة صبرا وشاتيلا التي ذهب فيها نحو أكثر من ألفي شهيد.
فمن هذه المؤسّسة الطائفيّة الانعزالية التي خرج منها وعنها العشرات من القيادات، بعد أن اكتشفوها وتعرفوا على الآخر في الوطن، فنسمع أصواتًا من أشخاص في "القواتِ اللبنانيةِ" والكتائب والأحرار وغيرهم، تدعو إلى الانفصال والتقسيم، ولأن المسلم لا يشبهنا، ولا نريد الحرب مع العدوِّ الإسرائيليِّ، ويجب أن يبقى لبنان على الحياد، ففلسطين ليست قضية لبنانية، ومارس هؤلاء قناعاتهم الراسخة لديهم، في الحرب الأهلية، بالخطف والقتل على الهوية، ومقاتلة الفلسطينيينَ والتعامل مع العدوِّ الإسرائيليِّ.
من هنا، فإن لبنان الذي تكوّن دولة على يد المستعمر الفرنسي غورو قبل ١٠٤ سنوات، لم يحسم هويته، التي تذكر في الدستور بأن لبنان ذو وجه عربي، أو أنه عربي الهوية والانتماء كما ورد في دستور ما بعد الطائف لكن عند كل أزمة، أو صراع مع العدو الصهيوني، تنكشف الوجوه وتعلو الدعوة إلى أن "لكم لبنانكم ولنا لبناننا"، كما قال النائب سامي الجميل، أو أن لبنان بلد الحياد كما يعلن البطريرك الماروني بشارة الراعي، أو أن لبنان أنشئ للموارنة خصوصًا والمسيحيين عمومًا، وهم أعطوه "خصوصية".
فمثل هذه المقولات تضع لبنان، في كل فترة أمام مرحلة خطيرة، إذ ظهر الانقسام العامودي بين مكوناته، حول الأساسيّات، وبدأت الطّروحات حول تعدّدية لبنانية تجمع بين اللبنانيين، بل تحوّلهم إلى كانتونات أو نظام فدرالي.

alafdal-news
