الياس المر - خاصّ الأفضل نيوز
نعم هي عناصر القوة التي راكمتها إيران عبر السنوات الطوال من الصراع الإقليمي والمواجهة الدولية،
بالرغم من الحصار والتضييق والعقوبات والحروب الاقتصادية والعسكرية، فقد استطاعت إيران أن تحجز لنفسها مساحة على امتداد المنطقة لتصبح الرقم الصعب الذي تجلس معه القوى والدول العظمى، ومنها لا تستطيع فعل ذلك لعدم رغبة أو قبول إيران بالجلوس معها.
كثيرة هي نظريات جلد الذات والدونية والنقص التي تشعر بها بعض دول وقوى في المنطقة التي تتحدث عن الضعف وانعدام التوازن وعدم القدرة على المواجهة ونظريات الاستسلام والانبطاح، إلا أن إيران والقوى الحليفة لها اختارت انتهاج مسار مختلف واختارت مراكمة المكتسبات والوصول إليها بحفر الصخر بالإبرة وبالطريق الصعب الطويل والشائك.
العالم بأسره ينتظر الرّد الإيراني، لا بل ينتظر رد حزب الله من لبنان، هذا ليس بالأمر السهل على المستوى السياسي والعسكري لا بل وصل البعض في مقارنة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، إلى مرحلة ينسى البعض أنها مقارنة بين أقوى جيش في المنطقة مدعوم مباشرة من أقوى جيش في العالم ومقاومة شعبية أهلية لا تملك حتى مركزًا عسكريًّا ظاهرًا، أو قدرة على التحرك العلني والتدريب العلني أسوة بالجيوش العادية، بل مقاومة تعمل بنظام العالم الكشفي حيث أن السكان في المناطق الحدودية بحالة تسلح للدفاع المبدئي والأولي عن أرضهم وممتلكاتهم حال تعرضها لهجوم.
كثيرة هي محاولات التفاوض مع إيران هذه الأيام، وكثيرة هي المغريات على الطاولة، تبدأ من إيران نفسها على مستوى فك الحصار ورفع جزئي للعقوبات الاقتصادية، مرورًا بتعهدات لتفعيل العودة إلى الاتفاق النووي، ولا تنتهي بالمكتسبات السياسية في لبنان، مروراً بالعراق وتعزيز الموقع السياسي لحلفاء إيران، واليمن وسوريا خصوصًا على مستوى الاستقرار السياسي فيها وأيضا الضمانات الاقتصادية وعودة الثروات النفطية إلى السيادة السورية، كلها أفكار ومغريات مطروحة على طاولة النقاش مقابل إقناع ايران بالعدول عن حتمية الرد على اغتيال الشهيد أبو العبد هنية في طهران.
أهم وأبرز هذه الطروحات، وقف كامل لإطلاق النار على غزة الأمر الذي رفضه نتنياهو ولا زال في كل مراحل المفاوضات، ومن هنا نفهم الاندفاعة الأميركية في تحريك مفاوضات الهدنة عبر الدعوة إلى قمة دولية جديدة في الأسابيع المقبلة.
نعم قد تكون إيران منفتحة مبدئيًّا للنقاش لما فيه مصلحة المنطقة والمحور إلا أن هذا النقاش لا يرتقي إلى مستوى المساومة على مبدأ "دفع الثمن الباهظ" ولهذا الثمن أشكال متعددة يمكن النقاش فيها، وهذا النقاش ربما يكون واحد من أسباب التأخير أو التريث بالرد، وسبب آخر لا يقل أهمية هو الوضع الاستراتيجي للقوى المتصارعة في المنطقة وعدم الرغبة في تحقيق هدف نتنياهو بالتصعيد وأخذ المنطقة إلى مواجهة مفتوحة تنقذه من مصيره المحتوم في غزة.
حاول نتنياهو بشتى السبل توريط الأميركي في حرب مفتوحة في المنطقة لا سيما في المواجهة المباشرة مع ايران في أكثر من ظرف ومناسبة، الأمر الذي تجنبته واشنطن ورفضته، إلا أن أي تصعيد متهور قد يحقق رغبة نتنياهو في هذا الاقتحام، خصوصاً أنه في موقع الخاسر الذي يريد أن يلهب الميدان بسياسة الانتخار العسكري والسياسي، إلا أن ايران لا تنظر إلى الحاضر والمستقبل بنفس العين الخاسرة والمهزومة التي ينظر بها نتنياهو، بل تنظر بعين الارتياح لكل المكتسبات السياسية والعسكرية الاستراتيجية التي حققتها وحلفائها في المنطقة من حسن المعركة في سوريا إلى العراق باليمن وكذلك لبنان، وهي غير مستعدة لإشعال المنطقة وهدم كل هذه المكتسبات وحرقها في حرب شعواء يريدها نتنياهو بأي ثمن.
بل أن ايران تنظر إلى نتنياهو ومعه كل إسرائيل تغرق في بحر الديموغرافيا والفشل والإخفاق وانعدام الدور الوظيفي وانهيار أسطورة القوة التي لا تقهر وكل هذه الأساطير التي سقطت في السنوات الأخيرة، وتراكم إيران ومعها الحلفاء بالمقابل الإنجازات والانتصارات الاقتصادية السياسية والعسكرية.
وقد تكون هذه المرحلة الأهم في جولات المكاسب ولكن دائمًا ليس على حساب المبادىء من هنا الخلاصة أن ايران سترد حتماً ولكن "بحكمة وعقل" كما قالها السيد نصرالله في خطابه الأخير تماماً ستستعيد الردع دون إعطاء الكارت الأخضر لإسرائيل لهدم المنطقة وتنفيذ سياسة الانتحار الجماعي والتضحية بكل ما راكمته من إنجازات وانتصارات وبالمقابل عدم إنقاذ نتنياهو ومعه إسرائيل من الهزيمة والموت وحيداً.

alafdal-news
