ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
وسط مراوحة الاستحقاق الرئاسي دائرته المغلقة، احتلت أزمة النزوح السوري واجهة المشهد، متقدمة على الوضع الجنوبي المتدهور، أزمة تستفيد من الرئاسة الأولى الشاغرة، والنظام السياسي والدستوري «المكربج»، مشكلة خطرا وجوديا، على ما يؤكد أكثر من مسؤول، وسط الريبة من دور إسرائيلي مستور، وأزمة إضافية على مستوى علاقة مسيحيي لبنان بأوروبا عامة والأم الحنون خصوصا، مع جنوح أصحاب القرار السياسي،إلى تحقيق أهدافهم الخاصة وخوض معاركهم الشخصية، على حساب المصلحة العامة، على ما يتهم بعضهم بعضا في حفلات تراشق الاتهامات.
وإذا كانت كل الملفات السياسية الداخلية قد باتت عالقة في عنق زجاجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، من إنهاء الشغور في بعبدا، إلى الحوارات في عين التينة على أكثر من جبهة، فإن ملف النزوح السوري يتحرك خلافا لعقارب الساعة وبوتيرة سريعة، مع التفاف مفوضية اللاجئين على الإجراءات اللبنانية، ونفاذها عبر ثغرة تقليص موازنتها.
فتحت حجة تقليص موازنتها، اتخذت المفوضية العليا للاجئين قرارا أبلغته إلى المعنيين عن خفض عديد موظفيها العامل في لبنان، ما سيفرض حكما إعادة هيكلة لأجهزتها، يدخل حيز التنفيذ نيسان القادم، وهو ما سيكون له تداعيات سلبية وإيجابية على ملف النزوح السوري في لبنان، كما على العلاقة مع السلطات الرسمية اللبنانية، في ظل العلاقة المتوترة بين الطرفين، والتي ارتفعت حدتها بعد الإجراءات الأمنية والسياسية التي اتخذتها بيروت، ووضعتها المنظمة في إطار الضغوط عليها للرضوخ.
فتقرير البنك الدولي يشير إلى أن كلفة النزوح بلغت 80 مليار دولار، وهذا دليل على حجم تداعيات هذا الملف ماليا واقتصاديا واجتماعيا وديموغرافيا على لبنان، إذ مع تراجع التمويل الذي كانت تحظى به المفوضية بنسبة 12 في المئة لسنة 2025، وخفض المصاريف بنسبة تقارب الـ10 في المئة فإن تفاعلات الأزمة ستتفاقم، عدا عن مصير آلاف الموظفين اللبنانيين الذين سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل بسبب القرارات التي اتخذتها المفوضية ومنها إقفال عدد من المكاتب في المناطق ودمج أخرى بالقيادة المركزية. أما على المستوى الإجتماعي فمن الواضح أن تراجع التمويل على مستوى المشاريع سيشمل التقشف في قطاعي الاستشفاء والتعليم والآتي أعظم إذا بقي موقف الاتحاد الأوروبي من مسألة النازحين السوريين في لبنان على حاله.
والذي زاد الطين بلة في كل ما تقدم، هو كلام وزير الداخلية والبلديات، وإشارته إلى أن المفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين السوريين ترفض خروجهم من لبنان، ولا تتجاوب مع الحكومة اللبنانية إن كان في تسليم قاعدة البيانات أو الداتا وغيرها من الأمور، في وقت تستمر فيه جهود المديرية العامة للأمن العام وخطّتها الـ "باء" التي سيبدأ بها قريبا، تزامنا مع زيارة وفد من قيادة أمن الدولة إلى دمشق، حيث بحث أيضا هذا الملف، وسط التوقعات بأن تشهد سوريا خلال أيام أكبر عملية عفو، تشمل النازحين.
إزاء هذا الواقع الجديد، عبرت أوساط سياسية عن انعكاس، كل ما تقدم سلبا على الوضع العام اللبناني، وعلى علاقة لبنان مع دول العالم، خصوصا أوروبا، إذ إن تخفيض التقديمات التي تؤمنها المنظمة للنازحين، سيتسبب في أزمة كبيرة، خصوصا أن هكذا قرارات بتخفيض الموازنات يتخذ كخطوة أولية على طريق إنهاء مهمات المفوضية في دولة ما.
وتابعت الأوساط،" إن شل عمل المفوضية سيجعل الحكومة اللبنانية في حالة صدام مع العالم، الذي يرفض بغالبيته حتى اللحظة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم إلا طوعا، كما أنه سيجعل الحكومة تغض الطرف عن عمليات الهجرة غير الشرعية عبر البحر، وهو ما سيؤدي إلى أزمة مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، علما أن الأخير قدم حوالي مليار يورو لضمان وقف تلك العمليات لمدة خمس سنوات.
وفي هذا الإطار تكشف الأوساط أن الاستراتيجية المتبعة حاليا، من قبل لبنان تقضي بإعادة النساء والأطفال، وإبقاء الرجال في لبنان، في المرحلة الاولى، نظرا لحساسية وضعهم، رغم أن التقارير أجمعت خلال الفترة الأخيرة على أن من دخل لبنان خلسة منهم، قد اتم خدمة العلم في سوريا، وبالتالي دخولهم للبنان كان بمثابة محطة ترانزيت قبل ترحيلهم في قوارب الموت عبر شبكات تهريب البشر نحو أوروبا.