ميشال نصر - خاص الأفضل نيوز
يبدو أن المشهد النيابي مقبل على اختبار جديد يهدّد بتفكك التكتلات السياسية المعارضة التي اختارت "سلاح المقاطعة" كتعبير عن رفضها لما تعتبره "انقلاباً تشريعياً" على مبدأ المساواة في التمثيل النيابي، وذلك على خلفية الخلاف حول آلية تصويت المغتربين في انتخابات عام 2026.
فالقصة، وإن بدت تقنية في ظاهرها، إلا أنها تخفي في عمقها صراعاً سياسياً حاداً بين مشروعين متناقضين: الأول، يسعى، من وجهة نظر أصحابه، إلى تعزيز دور اللبنانيين المنتشرين في صنع القرار الوطني باعتبارهم رافعة أساسية، والثاني، يفضّل إعادة حصر العملية الانتخابية داخل الدوائر المحلية، بما يحافظ على موازين القوى التقليدية ويحدّ من التأثير الخارجي على المعادلة الداخلية، في امتحان سياسي لمدى قدرة كل من الجبهتين على الحفاظ على وحدتها واستراتيجيتها المشتركة، والملاءمة، بين المبدئية، في مواجهة ما تعتبره مخالفة دستورية، والبراغماتية في مقاربة الأزمات المتراكمة التي تتطلب حضوراً نيابياً فاعلاً.
هكذا، تحوّلت قضية المغتربين إلى محور اشتباك سياسي يختبر تماسك جبهة المقاطعين لجلسات مجلس النواب، التي تضم مروحة واسعة من القوى السيادية والمعارضة والتغييرية، وسط موجة من الأسئلة تجتاح الجبهة نفسها: هل ما زال قرار المقاطعة مجدياً في ظل الجمود المؤسساتي؟ وهل يستطيع المقاطعون، الصمود أمام الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة، أم أن تباين المصالح والحسابات سيقودها إلى الانقسام؟
اسئلة يزداد التباين حول رؤيتها، مع تحوّل الصراع تدريجياً إلى معركة هوية انتخابية، تتجاوز مسألة "من يصوّت وأين"، لتصل إلى سؤال أعمق حول من يملك حق التأثير في القرار السياسي اللبناني: الداخل أم الخارج؟
مصادر نيابية متابعة، تحدّثت عن بداية "تصدّع" داخل الجبهة المعارضة، تُخفي خلفها تباينات في الرؤية والأولويات، أكثر مما تعبّر عن خلافات شكلية، فهي وإن اتفقت على رفض السير بآلية تصويت المغتربين، فإنها تختلف في تقييم جدوى استمرار المقاطعة ومدى فاعليتها في الضغط السياسي، خصوصاً مع تحوّل الشلل النيابي إلى عنصر إرباك للرأي العام وأداة للتشكيك بقدرة المعارضة على تقديم بدائل واقعية، حيث برزت عدة مؤشرات على تراجع تماسك الجبهة، أبرزها:
-تباين المواقف داخل الكتل المعارضة الكبرى، حيث تظهر القوات اللبنانية بعض المرونة النسبية في مقاربة الملف، فيما يتمسك الكتائب بالموقف المبدئي، ونواب التغيير والمستقلون منقسمون بين الاستراتيجية الداخلية والخارجية.
-الضغوط الخارجية والدبلوماسية، إذ تربط بعثات الاتحاد الأوروبي دعمها للتحضيرات الانتخابية بضرورة انتظام عمل البرلمان، ما أثار حرجاً لدى القوى المعارضة، وفي هذا الإطار تتحدث المعلومات عن مبادرة فرنسية يعمل عليها، تقضي بإلغاء حق الاقتراع في الخارج، و"إلزام" المغتربين بالتصويت في لبنان، لصالح ال 128 نائبا.
-الملفات الحيوية المعلّقة، فمع تعطيل الجلسات يهدّد الفراغ التشريعي قضايا الموازنة والإصلاحات المالية، ويزيد الضغط على المعارضة لتغيير موقفها، رغم أن آخر المعطيات تشير الى اتجاه عدد من النواب المقاطعين للمشاركة في جلسات دراسة وإقرار الموازنة، من منطلق التعامل "عالقطعة" مع الجلسات، بحسب جداول أعمالها.
-الحسابات الانتخابية المستقبلية، فاستمرار الغياب عن المشهد النيابي قد يفقد المقاطعين القدرة على التأثير وجذب الناخبين.
من هنا تتابع المصادر، أن العوامل الضاغطة نحو العودة عن "المقاطعة" باتت كبيرة، في مقدمتها الهاجس الاقتصادي، المرتبط بحياة اللبنانيين اليومية، خصوصًا أن الرأي العام أصبح أكثر حساسية تجاه أي تعطيل سياسي في ظل الانهيار المالي والمعيشي، دون إسقاط دور التبدلات الإقليمية، التي تفرض اعتماد استراتيجية مزدوجة تجمع بين الاحتجاج من الخارج والحضور الانتقائي في المجلس.
وتكشف المصادر أن رئيس مجلس النواب، يعمل رئيس المجلس وبعض الوسطاء على بلورة تسوية تقنية - سياسية تقوم على فصل الخلاف القانوني عن المسار التشريعي العام، أي السماح بعقد الجلسات لإقرار القوانين الضرورية، بالتوازي مع تفعيل الحوار حول تعديلات قانون الانتخاب ضمن اللجنة النيابية خاصة برئاسة نائبه، من ضمن اتفاق مرحلي يتيح للمغتربين التسجيل والتصويت وفق آلية مرنة، على أن يُحسم الجدل القانوني لاحقاً قبل موعد الانتخابات، ما يمكن أن يشكل مخرجاً يحفظ ماء وجه الجميع ويؤمّن عودة تدريجية للنواب المقاطعين، خصوصا أن المجلس مع بدء عقده العادي في 15 تشرين الأول، ملزم بانتخاب رؤساء ومقرري اللجان النيابية، وأعضاء مكتبه.
وختمت المصادر، بأن المؤشرات كلها تدل الى أن المقاطعين لم يعودوا يشكلون كتلة واحدة متجانسة، في ظل انقسامهم، بين داع للعودة التدريجية إلى المجلس ، ضمن سلة شروط معينة، ومن يطالب بالاستمرار بالمقاطعة المطلقة، مع ما تحمله من مخاطر سياسية وشعبية متزايدة
عليه، فإن معركة تصويت المغتربين ليست مجرد نزاع قانوني، بل اختبار حقيقي لقدرة كل من الجبهتين على الحفاظ على وحدتها واستراتيجيتها، وتحديد موقعها في انتخابات 2026 وما بعدها، وسط واقع داخلي وخارجي مليء بالتحديات.