ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
في خضمّ تعقيدات المشهد اللبناني وتقاطعاته الإقليمية والدولية، برزت تصريحات ومواقف الموفد الأميركي الخاص إلى لبنان وسوريا، توم براك، المتناقضة، لتشغل حيّزاً واسعاً من النقاش السياسي وحتى الأمني، خلال الأسبوع الأخير، إذ جاءت تصريحاته متضاربة في نبرتها ومضامينها، ما فتح الباب أمام قراءات متباينة حول نوايا الإدارة الأميركية، وأهداف رسائلها المعلنة والمضمَرة تجاه السلطة اللبنانية.
ففي سلسلة التصريحات التي أدلى بها براك، تظهر جلية نبرة التهديد والتحذير، مقدما إشارات "مرنة" توحي بإمكانية التفاهم، بل والتفاوض، شريطة أن تتجاوب بيروت مع الشروط الأميركية غير المكشوفة بالكامل، رغم أن إشادته بـ"الخطوات الإصلاحية في سوريا" تثير الكثير من علامات الاستفهام حول مغزى المقارنة الضمنية مع الواقع اللبناني، في توقيتٍ حساس يشهد تدهوراً في الثقة الداخلية واحتداماً في التجاذب الإقليمي.
مصادر سياسية تشير إلى أن "الازدواجية البراكية" تثير تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن تسعى فعلاً إلى دفع لبنان نحو استعادة سيادته، أم أنها تعتمد سياسة "الاحتواء المرحلي" لإعادة تشكيل توازنات النفوذ في المنطقة، مع إعطاء الأولوية لأمن إسرائيل.
من هنا، والكلام للمصادر، من الخطأ عدم قراءة مواقف توم براك الأخيرة من زاوية استراتيجية، تتجاوز التحليل السطحي للكلام، نحو فهم أعمق للسياق السياسي والدبلوماسي الذي انتجه، والذي يدفع إلى التساؤل عما إذا كنا أمام سياسة أميركية جديدة تجاه لبنان، أم أن الأمر لا يتعدى مناورة تكتيكية في إطار الضغط المتبادل؟
وهل تسير واشنطن نحو مواجهة شاملة مع حزب الله، أم تسعى فقط إلى "ترويضه" ضمن معادلة أكثر اتزاناً؟
أوساط مقربة من مركز القرار الأميركي، كشفت أن كلام براك تتمة، لرسائل وصلت إلى المعنيين في بيروت، بطرق مباشرة وغير مباشرة، آخرها عشية سفر رئيس الجمهورية إلى نيويورك، تشير إلى عدم رضى اميركي من مسار الأمور وسرعتها، والأهم محاولة المسؤولين اللبنانيين "التلاعب" على المفردات والقرارات المتخذة، والتملص مما تعهدوا به في الجلسات المغلقة، محاولين التهرب، من تنفيذ الورقة الأميركية الواضحة المضمون والشروط.
وتتابع الأوساط، بأن لبنان يحاول تنفيذ ورقته وعلى طريقته، وهو أمر سبق وتبلغت بيروت رفض واشنطن له، والتي حددت الأولويات المطلوبة والتي على السلطة اللبنانية إقرارها، وفقا لجدول زمني محدد ينتهي مطلع العام الجديد، وإلا فإن واشنطن ستتخذ الخطوات التي تراها مناسبة، اقتصاديا عسكريا وسياسيا.
وختمت الأوساط مبدية قلقها الكبير من الأوضاع خلال الفترة المقبلة، خصوصا وإن كلام براك جاء مقصودا عشية جولة اللقاءات التي أجراها رئيس الجمهورية في نيويورك، وبعدها، حيث لعبت توصية الثنائي براك – اورتاغوس، ووزير الخارجية دورا أساسيا في "عرقلة" حصول أي لقاء بين ترامب وعون، مدعومة بضغط كبير من لوبي لا يستهان به في الكونغرس.
عليه بات واضحا أن التسريبات الأميركية باتت تصريحات علنية تتخطى كونها مجرد آراء شخصية، بل تُعد إشارات استراتيجية ضمن حملة ضغط مركّبة على لبنان، هدفها إجبار السلطة السياسية على اتخاذ موقف واضح من حصر السلاح، وتهيئة الرأي العام لأي سيناريوات مستقبلية. فالتلويح بوجود معلومات مالية، وانتقاد أداء الحكومة، ونزع الأمل من الجيش، كلها تشكّل معالم استراتيجية ضغوط قصوى على لبنان، دون انزلاق واشنطن إلى مواجهة مباشرة.