كريستال النوّار - خاص الأفضل نيوز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أسوأ أيّامه، ولا يُحسد أبداً على الوضع "الشنيع" التي يضع نفسه فيه. والأهمّ، هو التحوّل الملحوظ في موقف المجتمع الإسرائيلي تجاه الحرب، إذ أنّ الإجماع الذي كان سابقاً، بدأ يتفكّك ليحلّ مكانه انقسامٌ عميق.
وما أشعل النّار تحت الرّماد هو محور فيلادلفيا. فما هو؟ وما أهميته الاستراتيجيّة وأبعاد وأهداف السيطرة عليه؟
محور فيلادلفيا هو عبارة عن شريطٍ يبلغ طوله 14 كيلومتراً على طول حدود غزة مع مصر ويُسيطر عليه الجيش الإسرائيلي حاليًّا. ويُشكّل وجود القوات الإسرائيليّة على طول الممرّ نقطة خلافٍ رئيسيّة في وقف إطلاق النار ومفاوضات الرهائن مع "حماس". فقد طالبت إسرائيل بالسّيطرة على المنطقة الحدوديّة في المرحلة الأولى من الاتفاق، بينما قالت "حماس" إنّه يجب على القوات الإسرائيلية الانسحاب. وأشعل هذا المأزق نزاعاً بين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في اجتماع لمجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي.
ويقول رئيس وزراء العدو إن السيطرة على الممرّ ضروريّة لمنع "حماس" من استئناف تهريب الأسلحة عبر الأنفاق الواقعة تحته. من جانبه، اختلف غالانت مع اقتراح نتنياهو قائلاً "أهمية ذلك هي أنّ "حماس لن توافق عليه، لذلك لن يكون هناك اتفاق ولن يتم إطلاق سراح أيّ رهينة".
لكي نفهم ماذا يحصل اليوم، من المهمّ أن نُلقي نظرة عامة على أهمية محور فيلادلفيا تاريخيًّا واستراتيجيًّا. في هذا الإطار، يشرح الخبير العسكري العميد ناجي ملاعب في حديثٍ لموقع "الأفضل نيوز": "عندما توعّد جيش الاحتلال بدخول رفح، كلّ العالم وقف ضدّه. فبعد أن قام بالمرحلة الأولى من حربه البرية بالسيطرة على شمال غزة وأنهى المرحلة الثانية، هدّد بأنّه سيقوم بالمرحلة الثالثة باحتلال رفح. هذا الوضع كان يحشر الفلسطينيين ويهجّرهم تباعاً ويدفعهم إلى التجمّع في رفح. هنا، صرخ العالم كلّه قائلاً إنّ أيّ احتلال لرفح هو حرب إبادة للفلسطينيين خصوصاً أنّ معظم النازحين بسبب حرب غزة تجمّعوا في رفح. وتوقّعتُ حينها أنّ دخول رفح ليس الهدف فقط، بل الهدف الأكبر كان السيطرة على محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين".
ما الغاية من ذلك؟
يُجيب العميد ملاعب: "السيطرة على المحور المذكور يهدف لقطع التواصل بين غزة وعمقها العربي عبر مصر. وهذا المحور تحديداً، بدأ العدو بالسيطرة عليه قبل أن يتوغّل ويُحاصر رفح ويقضم منها بعض الأماكن وصولاً إلى سيطرته عليه اليوم. وأعتقد أنه يسيطر على معظم رفح حالياً، ولكن الأهمية بالنسبة إليه تبقى السيطرة على محور فيلادلفيا".
فماذا يعني هذا المحور للعدو الإسرائيلي؟
يعود العميد ملاعب للتاريخ، موضحاً الصّورة الكاملة بقوله: "عام 2005، طُوّرت اتفاقية "كامب ديفيد" بموافقة أن يتمركز الجيش المصري لجهة رفح المصرية في هذه المنطقة، وفي وقتها اتُّفق على أن تتمركز على معبر رفح قوة من الاتحاد الأوروبي كمراقبين، ومعبر رفح لا يكون عليه إسرائيليون، وأصلاً إسرائيل ليست موجودة أبداً في كامل غزّة فهي انسحبت وليس هناك أي تواجد إسرائيلي. ولكن حتى يأمن الإسرائيليون أن هناك مراقبة دوليّة، كانت موجودة لجهة مصر قوّة مصريّة، ولجهة غزة، قوة فلسطينيّة. بعد 2005 - 2006، وبعد أن نالت "حماس" بموجب انتخابات ديمقراطية جرت بكامل قطاع غزة والضفة الغربية، الأكثرية، باتت تستطيع أن تشكل حكومة، (الأكثرية في المجلس النيابي تشكّل حكومة) فشُكّلت برئاسة اسماعيل هنيّة حينها. إلا أنّه لم يقبل بهذه الحكومة لا الطرف الإسرائيلي ولا الأميركي ولا حتى منظمة التحرير الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس، لأنه بوقتها "حماس" لم تكن تعترف بإسرائيل بينما السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة تعترف بإسرائيل وهذا خطأها".
هنا يُشدّد على أنّه "مجرّد الاعتراف بدولة خطأ كبير، لأنه عمليًّا وعام 1947 عندما أقرّت الأمم المتحدة إنشاء دولتين، والقدس كانت تحت حماية دولية، (أو يُفترض ذلك) كانت هناك دولة فلسطينيّة وتُنشأ إلى جانبها دولة إسرائيليّة. هذا يعني أنّه بموجب اتفاقات "كامب ديفيد" لا موافقة على دولة إسرائيلية ما لم يكن هناك اعتراف متبادل من إسرائيل ومن فلسطين".
من جهة أخرى، هناك علاقة "خبيثة" لم يُسلَّط عليها الضّوء في الإعلام كما يجب، وهي بين الميناء الأميركي وفيلادلفيا. ويُشير العميد ملاعب إلى أنّه "في آذار من بداية هذا العام، عندما أنشأ الأميركيون الميناء العائم مقابل غزة، والذي كلّف 230 مليون دولار، هدفوا لأن يكون ميناء التهجير أي ميناء اللاعودة"، موضحاً: "كان يعتقد الأميركيون والإسرائيليون أنّ الفلسطينيين سيُهاجرون عبر هذا الميناء إلى قبرص وثمّ إلى أماكن أخرى. اخترع الأميركيون أن الأمواج كسّرت الميناء"، ويسخر قائلاً: "تصوّروا أنّ كلّ هذه الدولارات كسّرتها الأمواج".
ما حصل بالفعل هو خروج الهدف "الخبيث" إلى العلن، إذ يلفت العميد ملاعب إلى أنّ "إنشاء الميناء كان محاولة لتهجير الفلسطينيين، ولكن عندما لم تنجح، اتُّخذ القرار بدخول رفح والدخول إلى فيلادلفيا. فالسيطرة على هذا المعبر ذات أهمية كبيرة لأنّ الهدف هو إذا ما كان هناك من نية بالتهجير، إسرائيل يمكن عندها أن تهجّرهم بعدما حشرتهم في مساحة محدّدة، وهي يمكن أن تفتح لهم هذا المعبر فقط للخروج الأبدي".
ويُتابع: "أقول ذلك كتحليل فقط، ولكن ما يجري في الضفة الغربية ومن محاولة قضم المرتفعات والأماكن الحيوية وهدم البنية التحتية والقتل العشوائي، لا يوجد أيّ مبرر له. هناك تهجير للضفة الغربية كما هناك تهجير لغزة. والخريطة التي رفعها نتنياهو في أيلول من العام الماضي للأمم المتحدة، تضمّنت أن تكون هناك خارطة حدود إسرائيل من النهر إلى البحر، يعني عدم الاعتراف لا بالضفة الغربية ولا بغزة. والسيطرة على محور فيلادلفيا هو في هذا الاتجاه".
هل من أنفاق تحت محور فيلادلفيا؟
"نعم، هناك أنفاق وهنا تكمن أهمية المحور. حماية الأنفاق ما زالت موجودة، ولم يُطلعنا الإسرائيلي على دخوله أيّ نفق. ما يعني أنّه لو فعلاً دخل نفقاً ما، لكان أطلعنا على التفاصيل"، وفق ملاعب.
ويُضيف: "ما زال الرهائن في الأنفاق، وما زالت قيادة حماس وأسلحتها وذخائرها في الأنفاق، وبالتالي لا يستطيع الإسرائيلي الخروج من غزة، لأنّه في اليوم التالي تستلم المقاومة الفلسطينية كامل القطاع، وهذا ما يُرعب الإسرائيلي لأنّ كلّ أهدافه التي كان يسعى إليها من خلال التدمير والإبادة لم تتحقّق ولم يتمكّن من السيطرة على غزة".
وفي العودة إلى أهمية تمركز الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، يرى العميد ملاعب أنّ العدو يهدف إلى إجراء المزيد من الضّغط على الفلسطينيين لإجبارهم على النزوح إلى سيناء، ولكن هنا ينتظره القرار المصري بأنّ الأمن القومي المصري خطّ أحمر وبالتالي لا يمكن أن تقبل مصر بالتهجير باتجاه سيناء".
أين أميركا من هذا الموضوع؟
يؤكّد العميد ملاعب أنّ "كلّ ذلك يجري بتنسيقٍ أميركي - إسرائيلي كامل. وحتّى كلّ ما نسمعه عن خلاف أميركي- إسرائيلي غير صحيح، إذ أنّ الولايات المتّحدة قامت بمحاولة عبر إنشاء الميناء بترحيل الفلسطينيين إلا أنّها لم تفلح. وأعتقد أنّها كلّ ما تقوله عن خلاف بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو، خاطئ". ويختم: "أميركا موافقة على التهجير والدّليل كلّ ما يجري في الضفة الغربية من دون أيّ استنكار أميركي أو عالمي".