كتبت زينب حمّود في "الأخبار":
على عكس ما أراده العدوّ من مجزرتَي الثلاثاء والأربعاء الماضيين من إخضاع البيئة اللصيقة بالمقاومة وتأليبها عليها، اندفع كثيرون، بعد الحملات الفورية للتبرع بالدم، إلى البحث عن أي وسيلة «كي أواسي من فقد عينيه، علّني أفي هؤلاء الشباب بعضاً من حقهم علينا»، على ما يقول علي الذي عرض على صفحته على فايسبوك التبرّع بإحدى كليتَيه لمن يحتاج إليها من الجرحى، من ضمن حملة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي لمتبرعين يعرضون التبرع بإحدى عينيهم أو إحدى كليتيهم لجرحى المجزرتين، مع عرض أرقام هواتفهم. كذلك، «ما عمنلحّق على العدد الهائل من الاتصالات التي تردنا من أجل تعبئة استمارة وهب أعضاء، نقوم بتحويلها إلى مستشفى الرسول الأعظم»، كما ينقل رئيس جمعية «من أحياها» لوهب الأعضاء طبيب جراحة الكلى والمسالك البولية عماد شمص.
غير أنّ هذه «اللهفة النبيلة التي تحرّكها الحماسة والعاطفة» قد لا تجد تصريفاً على أسس علمية. «فالتبرع بالعين أمر غير ممكن، لأنه ليس هناك، في المفهوم الطبي، ما يسمّى بنقل العين كعضو وزرعها لشخص آخر، وإنما هناك وهب للقرنية كنسيج، وهي غشاء خارجي في العين يبقى صالحاً لنحو شهرين بعد الوفاة، ما يتيح أخذها من الشخص المتوفّى ووضعها في بنك لحين جهوزية عملية الزرع»، كما يؤكد شمص. ولأنّه يمكن تأمين بنوك قرنيات من المتوفّين، «لا يجوز أخذها من شخص حيّ وتركه بعين واحدة وتعريضه لفقدان بصره مع احتمال إصابة العين كعضو خارجي». إذاً، التبرع «بالنظر» من شخص حيّ مستحيل، كما أنّ «أكثر الإصابات في العيون تطاول الشبكة وليس القرنية، ونحاول ترميمها. لكن في حالات التلف، لا يمكن فعل أيّ شيء».
أما التبرع بالكلى من شخص حيّ فأمر جائز، ويحصل عادةً بين الأقارب، لكن، حتى الآن، «ليس هناك أي جريح بحاجة إلى كلية، وتتركز الإصابات بشكل أساسي في الأطراف وتحديداً اليدين وفي العيون».
لا يعني كل ما سبق أنّ الاستفاقة على وهب الأعضاء «مثل قلّتها»، بل على العكس تماماً، «لا بدّ من اغتنامها للتوعية بأهمية وهب الأعضاء لمن يحتاج إليها من غير جرحى التفجير، والترويج لثقافة وهب الأنسجة مثل الجلد والصمام والأوعية والقرنية التي تصمد بعد الوفاة بين شهرين وخمس سنوات، بينما يبقى القلب حيّاً بعد الوفاة لأربع إلى ست ساعات، والكلية يوماً واحداً بالحدّ الأقصى». وفي ما يخصّ جرحى التفجير الأخير، يطرح شمص ضرورة «أن تعيد وزارة الصحة تفعيل بنك القرنيات الذي أقفلته قبل نحو ثلاث سنوات على خلفية الأزمة الاقتصادية وعدم القدرة المالية على الإنفاق عليه».
جريمة «البايجر» أعادت إحياء قضية وهب الأعضاء التي طمستها الأزمة الاقتصادية، «حتى وصل عدد عمليات زراعة الأعضاء اليوم إلى صفر، باستثناء تلك التي تجرى بين أفراد العائلة الواحدة». السبب الرئيسي وراء ذلك هو «الشح المالي» في «الهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء»، وتراجع موازنتها السنوية من 300 ألف دولار إلى 5 آلاف دولار بعد الأزمة وتدهور سعر الصرف، وهي موازنة بالكاد تغطّي فاتورة الكهرباء، فيما يداوم أعضاء الهيئة يوماً واحداً في الأسبوع فقط»، كما يقول شمص، وهو نائب المدير العام للهيئة. كما «لا تفصح المستشفيات عن المرضى المتوفّين دماغياً ممّن أوصوا بوهب أعضائهم بعد الوفاة، رغم العقود التي أبرمتها مع الهيئة الوطنية للتنسيق في عمليات الوهب. ويرتبط ذلك بفاتورة هذه العمليات العالية التي تشمل إبقاء أعضاء المتبرّع الميت دماغياً حيّة لأيام إضافية، وتنصّل كل جهة من تسديد هذه الفاتورة، فالمستشفى لا يريد أن يسجّل الديون على المرضى، والمستقبِل تخفت حماسته للدفع بعد العملية». كلّ ذلك يصبّ في نهاية المطاف إزهاقاً لأرواح مرضى فشل القلب وتلف الكلى وغيرها ممّن يمكن إنقاذهم، لكن، «للأسف، الدولة تؤمن علاج مرضى السرطان ولا تهتمّ لمن يحتاجون إلى زراعة أعضاء، علماً أن فرص النجاة في الأخيرة تفوق فرص النجاة من السرطان».