نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
إذاً... إنه صراع الأوراق المكشوفة بين "حزب الله" وإسرائيل.
الحزب يعتبر أنه أعدّ ما يلزم لمواجهة أي حرب كبرى بترسانة الصواريخ التي بإمكان العديد منها تضليل، أو اختراق، المنظومات الدفاعية الإسرائيليّة الأربع، إضافةً إلى آلاف المسيّرات المتعددة المهام، والتي يمكن أن تستخدم للتأثير في أداء القاذفات المعادية، لتظهر الأحداث الأخيرة، بمأسويتها، أن الإسرائيليّينَ خططوا لتفجير كل وسائل الاتصال بين القوى العسكرية للحزب، ما أثار التكهنات حول شق الطريق أمام عملية برية صاعقة، وتحت موجات كثيفة من الغارات الجوية.
كل طرف خطّط لإصابةِ الطرف الآخر بالعمى الإلكتروني، بعدما بات جليًّا أن الإسرائيليّينَ ركزوا، خلال السنوات التي أعقبت حرب 2006، على تطوير إمكاناتهم الإلكترونية، بالصورة التي تؤدي إلى تشتيت أي قوة معادية، مع الإشارة إلى اجتذابهم أكثر من 117 شركة عالمية متخصصة في القطاع الإلكتروني لإقامة فروع مركزية لها على أرضهم، ليقطعوا شوطاً بعيداً في هذا المجال.
نتوقف هنا عند محطة هامة في هذا السياق. حين قرر الرئيس رونالد ريغان (1981 ـ 1989 ) إطلاق برنامج "حرب النجوم" لاحتواء "أمبراطورية الشر"، أي الاتحاد السوفياتي، بنصب منصات فضائية مجهزة بأشعة اللايزر، وبالجزيئيات الإلكترونية، لتدمير أي صاروخ عابر للقارات بعد 7 أو 8 ثوان من إطلاقه، تم إيفاد المدير التنفيذي للبرنامج الجنرال جيمس آبرامستون إلى تل أبيب لإبرام اتفاقات تقضي بتصنيع المختبرات الإسرائيليّة أجهزة عائدة لهذا البرنامج.
هذا يضيء المدى الذي بلغته إسرائيل في تطوير ترسانتها الإلكترونية، لتنفجر عام 2022 فضيحة المنظومة التجسسية "بيغاسوس" التي تصنعها شركة NSO الإسرائيليّة والتي باستطاعتها اختراق أي هاتف خليوي أكان لرئيس الولايات المتحدة أم كان لراع في سفوح جبال الحملايا.
لا ريب أن "حزب الله" يدرك هذا الواقع. وإذا كان قد أرسى معادلة توازن الرعب مع إسرائيل عبر مخزونه الصاروخي الهائل، أظهرت وقائع الأيام الأخيرة مدى الهوة السيبرانية بين الجانبين، ليرى البعض، للوهلة الأولى، أنها رد على الضربة التي استهدفت الوحدة الاستخباراتية 8200. لكن المثير هنا كيفية تفخيخ تلك الأجهزة، وبكمية ضئيلة جداً من المتفجرات اللامرئية حتى بواسطة المسح الإلكتروني.
الثابت من كلام السيد حسن نصرالله، ومن سياسة ضبط الأعصاب لإبقاء المواجهة في إطار قواعد الاشتباك، أن الحزب يدرك استحالة التوجه نحو الحرب الكبرى التي بحاجة إلى سنوات من الإعداد الكمي والنوعي، مع اعتبار حالة التشتت الداخلي، وكذلك العربي، في الوقت الحالي.
الأميركيون على بيّنة من أن المشكلة في بنيامين نتنياهو الذي لا يريد نهاية له على شاكلة أستاذه مناحيم بيغن الذي التف ببطانية الصوف بانتظار النهاية بعد إخفاقاته العسكرية في لبنان، وحيث كان الرهان، كما رهان زعيم الليكود الحالي، على تغيير المسارات، وحتى الخرائط، في الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية.
لم يعد خفياً أن الإيرانيين الذين يتوجسون من لحظة "الجنون النووي" لدى الائتلاف الحالي في إسرائيل، بعثوا بأكثر من رسالة، وعبر الوسطاء، إلى إدارة جو بايدن بأنهم لا يريدون توسيع الحرب، لا بل أن هناك مصادر ديبلوماسية أوروبية تؤكد أنهم تورطوا في تفجير جبهات حليفة، وخصوصاً في لبنان، ليتلقف ذلك نتنياهو الذي انتقل إليه زمام المبادرة. الحرب أو اللاحرب...
في نظر جهات دولية أن ما حدث في لبنان، بالتداعيات الكارثية، أكثر من أن يكون خطيراً. لبنان كله، بشبكات الاتصالات التي باتت وسيلة حياة بالنسبة إليه، في قبضة إسرائيل، وبطبيعة الحال بالنسبة إلى المقاومة كون الاتصالات باتت جزءاً أساسياً من البنية العسكرية على المستوى العملاني وحتى على المستوى الوجودي، ودون أن يقتصر الخطر على تفجير الهواتف الخلوية أو أجهزة "البيجر"، ناهيك عن الأجهزة اللاسلكية.
الخبراء إذ يعتبرون أن إرساء معادلة التوازن السيبراني بين "حزب الله" وإسرائيل مسألة معقدة جداً، يشيرون أيضاً إلى توفر خيارات كثيرة لمعالجة هذا الوضع.
المهم ألا يكون ما حصل تمهيداً لعملية عسكرية كبرى لا أحد يستطيع التكهن بنتائجها الأبوكاليبتية بطبيعة الحال...
لكن ما يمكن أن نستشفه من كلمة السيد نصرالله عصر الخميس أن إعادة سكان الشمال مسألة مستحيلة، إلا بوقف النار في غزة. ضمناً لا يتوقع انفجاراً ضخماً في المشهد العسكري، بالرغم من قرع الطبول على الجانب الآخر. ولكن هل يمكن لبنيامين نتنياهو أن يبقى، هكذا، في عنق الزجاجة؟