نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
حين دخل وودرو ويلسون في الحرب العالمية الأولى تحت شعار "الحرب التي تنهي كل الحروب" لم يتوقع أن يظهر في أوروبا , القارة التي أطلق من أجلها مبادئه الـ 14 , أدولف هتلر الذي كان يستعد لذلك اليوم الذي يثأر فيه للاهانات التي لحقت بالجنرالات الألمان , وهم يوقعون صكوك الاستسلام , لتتشكل شخصيته من موسيقى ريتشارد فاغنر وفلسفة فريديريك نيتشه . من هنا بالذات انفجرت الحرب العالمية الثانية .
هنا نستذكر ما قاله العالم المصري الفذ جمال حمدان "كلما بقيت اسرائيل على هذه الأرض لن تنتهي الحروب في الشرق الأوسط" . حرب حزيران 1967 , والتي انتهت بالنكبة الكبرى , جعلته يقول ان المشكلة ليست في الاختلال في موازين القوى , وانما في الاختلال السويوسولوجي داخل المجتمعات العربية , ليلاحظ "ان بقاءنا كشظابا قبلية , أو طائفية , أو اثنية , يعني أن مسلسل النكبات سيصاحبنا الى يوم القيامة ..." .
لبنان ، بذلك الموزاييك الطائفي الذي يبعثرنا كما حجارة الشطرنج على أرض المنطقة ،أمام المأزق الصعب . قيل لنا في القاهرة ،كما في الرياض ،وكما في باريس ، هوذا رجل في قصر بعبدا بعيد عن ثقافة المافيات ، وعن ثقافة الصفقات ،أبواب الدول العربية ،كما أبواب الدول الغربية ،مفتوحة أمامه .
ما يتسرب من أحاديث الظل انتقادات للرئيس من بعض الجهات السياسية ، والحزبية ، بعدم "الضرب بيد من حديد" لنزع سلاح حزب الله" . حتى ولو تم التسليم بهذا الخيار الذي يعني حتماً تفجير لبنان وربما زوال لبنان ،هل يتصور هؤلاء أن باستطاعة الجيش اللبناني فعل ذلك ،وهو صورة عن المشهد اللبناني العام ، بالإمكانات المالية ، واللوجيستية ،والعملانية ، المحدودة جداً وغير المسموح إسرائيلياً تفعيلها لتبقى ما تدعى "دول الطوق" منزوعة السلاح ومنزوعة الأظافر . في ضوء ذلك ألا يخطر في بالنا هذا السؤال : ألا يعمل ملوك الطوائف لحساب ملوك التوراة ؟
هنا نتوقف عند ما يفعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالترسانة العسكرية التي تتعدى الخيال . كمالك لأهم قوة عسكرية في التاريخ باستطاعة الرجل وخلال ساعات توجيه ضربات كارثية لإيران . بالرغم من ذلك آثر العملية الديبلوماسية على العملية العسكرية تفادياً لأي ضرر يلحق بالمصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة . في هذه الحال والرئيس اللبناني يعرف أي نوع من الذئاب أو من الديناصورات يحكم إسرائيل ،ما معنى اللجوء الى الخيار العسكري مع فئة لبنانية تتعرض للضربات الإسرائيلية شبه اليومية ، وهي من استطاعت اجتثاث الأقدام الهمجية من الجنوب عام 2000 بعدما رأى ايهود باراك رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك
"ضرورة الخروج في الحال من ذلك الجحيم" .
لا نناقش في صوابية أو في خطأ شن "حرب الاسناد" . ولكن لنتذكر قول نتنياهو لدى إطلاق حربه على غزة بتغيير الشرق الأوسط . هل كان يمكن أن يحدث ذلك عبر القطاع المقفل براً وجواً وبحراً أم عبر لبنان وسوريا ، وحيث توجد بحكم الموقع الجغرافي والتاريخي الأبواب الجيوسياسية للمنطقة ؟
إنه الحوار الثنائي البعيد عن غوغائية الساحات أو عن ببغائية الشاشات وهذا ما يحظى بدعم غالبية اللبنانيين البعيدين عن التعليب السياسي والتعليب الطائفي والذين يدركون مدى الهلهلة الداخلية وعلى المستويات كاقة بانتظار الخطوات الأولى والشاقة في الطريق الى إعادة بناء الدولة على قواعد فلسفية واستراتيجية تضع حداً للوضع الذي سبق لخبير في صندوق النقد الدولي ووصفه بـ"فردوس الفساد" .
هنا تقول لنا شخصية مسؤولة أن خطوة مقابلة ينبغي أن تأتي من "حزب الله" الذي وإن كانت الحرب قد أناطت به مهمات هائلة ، وسط ما يصفه البعض بغابة من الخناجر . مد اليد الى القوى اللبنانية الأخرى، حتى وإن كانت على الضقة الثانية من الأزمة . وبطبيعة الحال ملاقاة الرئيس جوزف عون في منتصف الطريق لجهة بلورة إطار صلب لاستراتيجية الأمن القومي أو الأمن الوطني . لا نزع للسلاح كي لا نكون الجمهورية العارية أمام الذئاب بل أن ينضوي في ذلك الإطار الذي بدأت به تجارب عالمية كانت رائدة في بناء السياسات، والاستراتيجيات، الدفاعية.
نزع السلاح ،أو بالأحرى إيجاد حل للسلاح ليس بالمشكلة ما دام هناك إقرار علني بأن قرار الحرب والسلم في يد الدولة إذا لم نقل أنه في يد بنيامين نتنياهو إذا ما وصلنا الى تلك القناعة المشتركة بأن على حدودنا الجنوبية دولة ، بإمكانات سوبر تكنولوجية لم تحترف فقط انتهاك المواثيق والقرارات الدولية على نحو منهجي بل وتحترف انتهاك القيم الأخلاقية والإنسانية إذا ما لاحظنا كيف يتم ارتكاب المذابح اليومية في غزة ،في حين يبدو وكأن مجلس الأمن الدولي بصمته المريب يكشف عن أي عالم يعيشه من وصفهم المارتينيكي ،بالألق الفلسفي المميز ، فرنز فانون بـ"معذبي الأرض" .
هذا يبقى كله كلاماً على هامش الأشياء ، جورج قرم كان يتحدث عن "خلل في النخاع الشوكي للدولة" حين تكون الطوائف على خلاف حول كل شيء وحين لا نعرف ماذا كان لبنان هانوي أم هونكونغ دولة أم مغارة . رائع الرئيس جوزف عون حين اتخذ قراره بالحوار الثنائي بالارتفاع (والترفع) فوق تلك الأدمغة العفنة والصدئة حين ترى في اللعب على حافة الهاوية السبيل الوحيد لبقائها على عروشها التي أظهرت الأيام وستظهر أكثر أنها من التنك .
حين زار الروائي الأميركي دوغلاس كنيدي لبنان قال لمجلة "لو نوفيل أوبز" الفرنسية :"هناك لا تدري ما إذا كنت في الجنة أم في الجحيم" . ثمة رئيس جمهورية يعرف أن الطريق الى الجنة هو المستحيل كيف يجعل أيضاً الطريق الى الجحيم هو المستحيل ..؟!