ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
فيما أصداء الغارات المستمرة من الضاحية الجنوبية إلى الجنوب مرورًا بالبقاع، ما زالت تتردّد نسبة لقوتها والدمار الهائل الذي تخلفه، يستعد الجيش الإسرائيليّ للتوغل البري في جنوب لبنان، رغم مرور أربع وعشرين ساعة على الإعلان عن بدء المعركة البرية، والتضارب في المعلومات حول ما يجري على الحدود، مع دخول قوات الطوارئ الدولية طرفًا فيها، بعد أن نال الضوء الأخضر السياسي الإسرائيليِّ والأميركي لتنفيذ عمليته.
واضح أن "الانتصارات التكتيكية" المتتالية التي حققتها إسرائيل، من هجماتها على أجهزة حزب الله الإلكترونية، إلى الأضرار التي لحقت ببنية القيادة والسيطرة التابعة للحزب وقدراته العسكرية، شجع الحكومة الاسرائيلية على اغتنام الفرصة لفرض منطقة عازلة جنوب لبنان، على أمل السماح لسكان مستعمرات الشمال بالعودة إليها بعد أن أجبروا على الفرار بسبب هجمات حزب الله الصاروخية.
مصادر مطلعة على الوضعين العسكري والأمني تؤكد أن الأمور متجهة نحو تصعيد كبير، بحسب ما توحي به التطورات، كما عسكريًّا على الحدود كذلك في السياسة داخليًّا، في ظل الأصوات التي بدأت تتصاعد من هنا وهناك، مشيرة إلى أن حجم الحشود التي نشرتها إسرائيل مباشرة على الحدود، والتي تخطى عددها الستون ألف جندي، توحي بأن ما يحضر له أكبر من عملية برية محدودة، زاد من الشكوك حولها، طلب الناطق باسم الجيش الإسرائيليّ إخلاء قراهم ومنازلهم إلى شمالي الأولي، ما يدلّ على أنها في صدد القيام بعملية كبيرة جداً، لا أحد يعلم إلى أين ستؤدي، في سيناريو يشبه إلى حد كبير ما حصل عام 1982.
غير أن التدخل البري الذي حرصت تل أبيب على وصفه "بالمحدد" لتهدئة ردود فعل الدول المتحفظة عليه، لا سيما فرنسا تحديدًا، تحت عنوان "الدفاع عن النفس" بتأييد أميركي ضمني واضح، كشف رئيس الوزراء الإسرائيليّ عن حقيقته التي تصب في خدمة مشروع تغيير وجه الشرق الأوسط وتوازناته، ما يعني عمليًّا أن الهدف هو إسقاط محور الممانعة بالكامل، وعلى رأسه إيران، ما يذكر بشرق أوسط كوندوليزا رايس الجديد الذي طرحته عام 2005، على ما تقول المصادر، غامزة من قناة إرسال التعزيزات العسكرية الأميركية، من قوات برية، ونشر أسراب من الطائرات، اللافت فيها سرب ال"ايه-10" المعروفة باسم صائدة الدبابات.
بالعودة إلى العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية يؤكد الخبراء أن الجيش الإسرائيلي، باشر في تمهيد ساحة المواجهة، عبر دفعه بوحدات هندسية فتحت ثغرات في السياج الحدودي الفاصل، وسط استطلاع بالنار على طول الجبهة نفذته المدفعية وسلاح الجو، مترافقًا مع مناورات برية نفذتها الوحدات الخاصة بهدف كشف أماكن انتشار وحدات حزب الله، من مجموعات نصر وبدر وقوات الرضوان.
ورأى الخبراء أن إسرائيل استفادت على ما يبدو من الدروس المستقاة من حرب 2006، فهي ركزت خلال الساعات الماضية على جس نبض جهوزية وحدات حزب الله المنتشرة على الحدود وفي القرى، في نفس الوقت الذي تسعى فيه إلى اعتماد سياسة الأرض المحروقة عبر تدمير منهجي ومركز وسط حملة تهجير واسعة لسكان القرى، على طول الخط الحدودي وبعمق حوالي 40 كلم في بعض النقاط.
وتابع الخبراء بأن هناك سيناريو مركبًا للتوغل يعمل عليه الجيش الإسرائيلي، هدفه وفقًا "لأمر العمليات " تدمير مواقع حزب الله وأنفاقه ومنصات الإطلاق والبنية التحتية العسكرية الأخرى"، مكون من "عدة طبقات":
- التوغل برياً من عدة نقاط على الحدود، بدعم من الدبابات وبقوات محدودة، باتجاه أهداف محددة داخل القرى.
- القيام بعمليات دهم على محور واحد في نطاق ضيق جداً تشمل مناطق محدودة لن تتعدى مدتها يوماً واحداً.
- تنفيذ إنزالات جوية في أكثر من منطقة لقطع طرق وإقامة كمائن وتنفيذ عمليات خطف أو اغتيال.
- عمليات إنزال برمائية على طول الشاطئ الممتد من خلدة باتجاه الجنوب، وقد سبق ونفذت منذ تشرين الماضي أكثر من عملية.
ويشير الخبراء إلى أن هذه الخطط ستسمح بتحقيق أحد الخيارات الثلاثة التالية:
- التوغل ثم الانسحاب إلى الحدود، على غرار استراتيجيتها في غزة، بهدف إنشاء "منطقة محدودة منزوعة السلاح"، تفرضها من خلال إطلاق النار عبر الحدود.
- عمليات محدودة تنتهي إلى احتلال منطقة عازلة، في شريط يبلغ عمقه نحو 10 كيلومترات.
- التوغل إلى نهر الليطاني، ثم الانسحاب، وهو أمر يتوقف على سير المعارك وحجم المقاومة في المواجهة التي ستنشأ مع اقتحام الشريط الممتد من الخط الأزرق باتجاه الشمال بعمق كيلومترين، والذي يعتقد الجيش الإسرائيليّ أنه خط دفاع الحزب الأساسي.
في الخلاصة، إذا تمكن حزب الله من توجيه ضربات موجعة للقوات المتقدمة ملحقًا بها خسائر فادحة، قد نكون عندها أمام مشهد جديد بكل المقاييس، من شأنه أن يضعف من عزم إسرائيل على الاحتفاظ بالمنطقة العازلة، وقد يجبرها على إنهاء القتال دون الحصول على ضمانات بخروج الحزب الدائم إلى شمال الليطاني.