نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
حتى ولو سألنا عالم السياسة الفرنسي أوليفييه روا "كيف لم تدركوا أنها "ساعة نتنياهو".
لو انتظرتم قليلاً لكان الإسرائيليون أجهزوا عليه بدل أن يفعل بكم ما يفعل الآن".
لتكن "ساعة لبنان" الذي حولته السنوات الأخيرة إلى أشلاء سياسية، وأشلاء طائفية.
لا يكفي أن نلملم أشلاءنا، لأننا بكل أطيافنا نخوض معركة البقاء أو اللابقاء.
من القصر الجمهوري يفترض أن يولد لبنان الآخر، بعدما بلغنا الذروة في الزبائنية، وفي الغرائزية، أخذاً بالاعتبار مدى تأثير النص التوراتي، بالتأويل البربري في تشكيل العقل السياسي، والعقل الاستراتيجي لدى رئيس الحكومة الإسرائيليّة.
في "سفرالتثنية" يقول موسى لبني إسرائيل "يطرد الرب جميع هذه الشعوب من أمامكم، فترثون شعوباً أكثر وأعظم منكم.
كل موضع تدوسه أخامص أقدامكم يكون لكم من البريّة جنوباً إلى لبنان شمالاً، ومن نهر الفرات شرقاً إلى البحر غرباً.
لا يقف إنسان في وجهكم لأن الرب إلهكم يلقي الرعب والخوف منكم على كل الأرض التي تدوسونها كما وعدكم".
وفي المزمور 29 "صوت الرب يكسر الأرز / يكسر أرز لبنان / يجعل لبنان يقفز كالعجل / وحرمون كولد الثور الوحشي"، لنجد الفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا (القرن السابع عشر)، وهو يواجه الحاخامات الذين قرأوا التوراة بـ"عيون الأفاعي" لا بعيون الكائنات البشرية.
هكذا بنيامين نتنياهو ..
رياح كثيرة، رياح سوداء، لعبت بلبنان، وبرؤوس اللبنانيين على مدى سنوات وسنوات.
من يتأمل في المادة 95 من الدستور حول إلغاء الطائفية السياسية، يدرك أن هذه المادة تختزل المسار الانتقالي، والمسار الفلسفي، للدستور الذي يمهد لجمهورية المستقبل (لا جمهورية أفلاطون ولا جمهورية كاليغولا) .
لكأن هيرودوت كان يقصد لبنان تحديداً حين قال قبل 2500 عام، أن الشرق الأدنى يقع على خط الزلازل (والحرائق)، هل يسمح الأميركيون لنتياهو وقد منعوا أي دولة إقليمية من استعادة ماضيها الأمبراطوري، بإقامة "مملكة يهوه" على أنقاض الدول العربية، كما يبشر القس الأميركي حون هاغي، زعيم منظمة "مسيحيون متحدون من أجل اسرائيل"؟
كما لو أننا أمام "عولمة التواطؤ"، بعدما أطلق السينودس الأخير في الفاتيكان مصطلح "عولمة اللامبالاة" أي عولمة الآذان الصماء، والعيون الصماء.
كل ذلك العالم الذي صاغ المواثيق الدولية، ولطالما ادّعى الدفاع عن حقوق الإنسان، لا يستطيع وقف طوفان الخراب، وطوفان الدم، في غزة ولبنان.
لكأن الكرة الأرضية تقف، فعلاً، وكما تقول الأسطورة الأوروبية على قرن ثور. ثور هائج ويريد تتويج نفسه ملكاً على العالم ...
والبلاد على فوهة البركان، أصوات تستشعر حدود الأزمة ـ الكارثة، تدعو إلى شق الطريق نحو الانتظام الدستوري، تالياً الانتظام السياسي (تحديداً الخروج من حالة اللادولة إلى حالة الدولة) لاستيعاب الاحتمالات، وأياً كانت التي ينتجها الصراع الراهن.
اتصالات رفيعة المستوى تجري وراء الضوء، وتتقاطع فيها المساعي الدولية، والجهود العربية، والجهود المحلية، لفتح الطريق إلى بعبدا، بعدما أقفلت بشتى أنواع العوائق.
المستغرب هنا وجود بعض الرؤوس، وإن كانت قليلة نسبياً التي تراهن على أن تحدث الحرب تغييرات دراماتيكية في المسارات، والمعادلات الداخلية والإقليمية ليكون على رأس الدولة رجل كتب على ظهره "صنع في أورشليم".
لا رئيس من الاسفنج ولا رئيس من الطين. وكان قد لفتنا قول أحد المراجع بأن لبنان، وبالتشابك بين الصلاحيات، وبين الطوائف، لا يستطيع إنتاج رجل مثل شارل ديغول الذي انتقل بفرنسا من الجمهورية الرابعة، بالاهتراء البنيوي إلى الجمهورية الخامسة، ولا مثل لودفيغ إيرهارد الذي انتقل بألمانيا من الدولة ـ الأنقاض إلى الدولة ـ القاطرة.
لكن باستطاعة لبنان أن ينتج الرجال الذين لم تتلطخ أيديهم، ولا رؤوسهم بالوحول .
لهذا النوع من الرجال تقرع الأجراس. ولكن أي أجراس الآن، وقد انتقلنا من الأزمة الكبرى الى الكارثة الكبرى.
والخشية أن ننتقل إلى النكبة الكبرى؟
وليكن ذلك الرئيس الذي لا تصل به التسويات، والصفقات، وكما حدث لغيره إلى القصر جثة هامدة!!