عماد مرمل -خاصّ الأفضل نيوز
ليس القبطان البحري عماد أمهز هو وحده من اختطفته قوة الكوماندوس الإسرائيلية التي نفذت إنزالا في البترون، بل إن الاختطاف شمل أيضا ما تبقى من سمعة وهيبة للدولة اللبنانية، ومن صدقية وفعالية لقوات اليونيفيل التي يفترض أنها تتولى مراقبة البحر.
والمفارقة، أن كوماندوس العدو عزز من حيث لا يدري الحاجة إلى المقاومة وحججها، بعدما رسَب خيار الاحتماء بالمؤسسات الشرعية والقرارات الدولية في امتحان البترون وثبَت مرة أخرى أن سلاح المقاومة لا يزال ضرورة لحماية سيادة لبنان أو أقله لتدفيع العدو ثمنًا باهظًا إذا حاول الاعتداء عليها، كما يحصل في الحرب الحالية وما يتخللها من مواجهات مع العدو الإسرائيلي الذي يواصل تخبطه عند الحافة الأمامية في الجنوب رغم مرور أكثر من شهر على بدء المعركة البرية.
إن ما جرى في البترون ليس سوى نموذج تطبيقي لمعادلة "قوة لبنان في ضعفه" والتي يبدو أن هناك من لديه حنين إليها، وبالتالي فإن فضيحة الإنزال - النزهة تعكس ما يراد للبلد أن يكون عليه: أرض مكشوفة ومستباحة باسم رفض الحرب والسلاح غير الشرعي.
إن أقصى ما استطاعت أن تفعله السلطة السياسية بعدما أنهت قوة العدو "سياحتها" عند شاطئ البترون، وضرَب اللي ضرب وهرب اللي هرب، هو الاعلان عن عزمها تقديم شكوى لدى مجلس الأمن في استنساخ لآلاف الشكاوى المماثلة التي تكاد لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به بفعل عجزها عن استعادة أي حق وعن محاسبة كيان الاحتلال على أي اعتداء، وهو الذي مزق ممثله في المنظمة الدولية ميثاق الأمم المتحدة على الملأ من غير أن يرف له جفن.
وإذا كان لا بد في نهاية المطاف من رفع شكوى لتسجيل موقف، فإن الأهم منها هو البحث عن أجوبة مقنعة تروي غليل الأسئلة المُلحة التي فرضتها العملية الإسرائيلية حول ملابسات وصول قوة الكوماندوس المعادية بسهولة تامة الى ساحل البترون وتنفيذها جريمة الاختطاف بدم بارد ثم انسحابها من دون أن يعترضها أحد وكأنها في رحلة "شم هوا"، ومكامن الخلل في سلوك الجهات الرسمية المعنية بالدفاع عن سلامة الأراضي اللبنانية والقاطنين عليها، وخفايا دور اليونيفيل التي تنتشر شفنها في المياه الإقليمية، ومن يتحمل مسؤولية استباحة كرامة الدولة بهذا الشكل؟
أما اذا كانت مهزلة واقعة البترون هي عينة عن التفسير الإسرائيلي للقرار 1701 بعدما طالب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو صراحة بأن تكون لجيشه حرية التحرك أو التدخل في لبنان عقب وقف إطلاق النار، فإن ذلك يجب أن يكون حافزًا إضافيًا لمزيد من الصمود الميداني على الأرض وثبات الموقف السياسي الرسمي في مواجهة الشروط الإسرائيلية التعجيزية مهما كانت كلفة هذا الخيار وعواقبه.
والمؤكد أن العبرة الأهم من درس البترون هي أنه يجب التمسك أكثر من أي وقت مضى بسلاح المقاومة، ضمن استراتيجية دفاعية أو غيرها، خصوصا أن التجربة أثبتت أن هذه المقاومة استطاعت أن تمنع العدو من احتلال المنطقة الحدودية وتكبده خسائر فادحة وموجعة، بينما استغل عدم وجودها في مناطق أخرى ليذهب في ما يشبه "كزدورة" الى واحدة من أجمل المدن السياحية في البلد ويعود منها برهينة لبنانية خذلتها دولتها!