مفيد سرحال - خاص الأفضل نيوز
يأتي الفعل ساح في معاجم اللغة العربية بمعنى سال وجرى وفي معنى آخر طاف وجال وعرّفت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة السياحة على أنها: السفر بهدف الترفيه والتطبيب والاكتشاف..
وطالما أننا في مضمار النزال وسوح القتال والصراع المفتوح مع العدو الصهيوني فإن من إبداعات رجال الله أن طوروا المفهوم العام والتعريف السائد للسياحة وأدخلوا عليه بعضًا من إثارة في خضم إغارة أعيت العدو وابتكاراته وعلومه وتقنياته وتفوقه بحيث دخلت المسيَّرات على خط السياحة والسفر وانسجامًا مع التعريف اللغوي يمكن القول أن مسيرات المقاومة (سالت وجرت) وبمعنى آخر (طافت وجالت) في سماء فلسطين المَسبيَّة وعصفت وقصفت بعد سر الاستطلاع والاستكشاف وسبر الأجواء الهدهدي ودوَّخت منظومات الرصد والتعقب والرماية بكل صنوفها وغدت أكثر مكرًا وحيلة من عصفور الدوري في مناوراتها واستعصائها على الصياد .
مسيَّرات المقاومة السائحات السابحات جيئة وذهابًا فوق حيفا وما بعدها ومرج ابن عامر والجليلين والجولان تؤرق العدو الصهيوني وغدت سلاحًا فتاكًا لا نقول بتماثله مع السيطرة الجوية المطلقة لسائحات الكيان العبري القاتلات المجرمات وصنيعها التدميري..
غير أنه يستحوذ على سماء فلسطين دونما الوقوع في شراك قبة أو مقلاع أو طلعات حربي ومروحي محققًا أهدافًا استراتيجية قاتلة وبالتالي قد تكون التكنولوجيا الهائلة بإنجازاتها الحربية والقتالية واحدة من عناصر تفوق العدو الصهيوني الذي فاجأ ولا يزال المقاومة في فلسطين ولبنان لكن للمقاومة نصيبًا من التكنولوجيا واستخداماتها أيضاً بدليل أن المسيَّرات صارت سلاحًا كاسرًا للتوازن وبالتأكيد مخزون المقاومة من أعلى مستوياتها كفاءة وتقنية وقوة تدمير لا زال زاخرًا مكتنزًا بأنواع وأحجام فاخرة الوظيفة.
إن وصف المسيرات على أنها كاسرة للتوازن ليس غلوًّا أو ضجيجًا فارغًا بقدر ما هو إنجاز عسكري وثغرة استراتيجية قاتلة في جدار الأمن الصهيوني لاعتبارات عدة أبرزها أولاً: البعد النفسي وآثاره المعنوية على الأمان الاستيطاني والارتباك العسكري لجهة استنفار كل قوى الجو بحثًا عن طائر جوال بأريحية تفوق الخيال وتعبر عنه المروحيات بعمى ملحوظ وفضيحة غدت مثار تندر وسخرية.
ثانيا: انتشار القلق في صفوف المستوطنين همًّا مستدامًا يعيق المسار الطبيعي للحياة المعتادة وما يستتبعها من عطالة مؤسسات وفراغ اقتصادي حيوي.
ثالثًا: بات مؤكدًا أن المقاومة بالمسيرات أعادت رسم توازن الردع بالقول للعدو الإسرائيليّ أن تدمير المنازل يقابله استهداف المنشآت الاقتصادية والمصانع الإنتاجية في شتى القطاعات... وسنطعمكم بعضًا من آلامنا ...وآثار ذلك على المستوى الدولتي وانعكاسه على البشر استنزافًا مؤلمًا وعميقًا بات جليًّا وبالتوازي سيصيب الدول المغذية للكيان لا سيما الغرب الجماعي وعلى رأسه أميركا بحالة من الشح ونضوب المساعدات مع إطالة أمد الحرب ولا شك أنها طويلة تحت وطأة الأعطاب البنيوية في اقتصاد تلك الدول والتي يدفع ثمنها المكلف الأميركي والأوروبي.
رابعًا: تستطيع المُسيَّرات بعد الدخول إلى غرفة نوم نتنياهو رأس الكيان وعملية نتانيا من ضرب أي موقع عسكري مهما بلغت حساسيته
(الحديث عن تسرب الأمونيا أصاب المستوطنين بالذعر والكيان بالصدمة) والسؤال هل سيبدأ الكيان تدريجيًّا بالبحث عن حل بعد مكابرة نتنياهو وهروبه إلى الأمام ومراوغته وألاعيبه مع الأميركي في رفض أي تسوية؟؟ وهل بدأ يقيس كلفة الأهداف كعادته بميزان الربح والخسارة فيما نحن مهما بلغت أكلاف الحرب وهي عالية بالطبع لن نتأثر أو تتلاشى عزائمنا أو تضمحل إرادتنا لأن الهدف حرية واستقلال وسيادة بلدنا.. فلننتظر الآخ من أي حنجرة ستصدح....
باختصار ليس أمرًا سهلًا أن تغدو مُسيَّراتنا في ظل انهيار السياحة بنسبة 95 بالمئة في الكيان العبري وحدها السائح الهدَّاف في منعرجات غيم فلسطين تكشح عنها الظلم وتحقق العدل السماوي برقا ورعدًا وقصفًا واعدًا... .