د. أكرم حمدان - خاصّ "الأفضل نيوز"
منذ أيام، وتحديداً في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، حلت الذكرى الـ107 لصدور ما يُعرف بـ"إعلان بلفور المشؤوم"، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
وجاءت هذه الذكرى المشؤومة هذا العام، وسط استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يُمارسها جيش الاحتلال الصهيوني منذ تشرين الأول 2023،ضد الشعب الفلسطيني حيث نشهد عمليات وحشية وقمع وقتل وتهجير في قطاع غزة، لا مثيل لها في العصر الحديث وسط صمت مطبق مما يُسمى المجتمع الدولي وحتى العربي والإسلامي على المستوى الرسمي، وقد توسع هذا العدوان بكل أصناف وحشيتها ليطال لبنان منذ أكثر من شهر.
إن التذكير بهذا الوعد المشؤوم وما نتج عنه، مرده إلى المقاربة والمقارنة بين قادة وزعماء تلك المرحلة ومن يتربع على حكم هذا الكيان الغاصب حالياً، فقد نص هذا الوعد بموجب رسالة من وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور عام 1917 إلى اللورد ليونيل والترروتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية، على منح الحكومة البريطانية حقًا مزعومًا لليهود، في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، وفقًا للمقولة المزيفة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وأصبح يُعرف لاحقاً باسم "وعد بلفور".
لقد صدر "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" وتعداد اليهود في فلسطين حينها لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان، وكان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
وبعد مفاوضات لمدة 3 سنوات بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، ثم عرض نص الإعلان على الرئيس الأميركي ولسون الذي وافق على محتواه قبل نشره، كما وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميًا عام 1918، ثم تبعها الرئيس الأميركي ولسون رسميًا وعلنيًا عام 1919، وكذلك اليابان.
وفي 25 أبريل/ نيسان عام 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب.
وفي 24 يوليو/ تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر/ أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إن إعلان بلفور كان وعدًا غربيًا وليس بريطانيًا فحسب.
لقد اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندًا قانونيًا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة "الدولة اليهودية" في فلسطين، وجاء ذلك بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة "إسرائيل" في 15 مايو/ أيارعام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى.
إن حرب الإبادة التي يُمارسها هذا الكيان الغاصب بقيادة مجرم الحرب نتانياهو، هو نتاج واستمرار لهذا الوعد المشؤوم الذي شكل مظلمة تاريخية للشعب الفلسطيني وللمنطقة العربية والإسلامية وشعوبها كاملة، فها هو نتانياهو يتحدث عن "شرق أوسط جديد" وعن "حرب النهضة" و"حرب الوجود" وغيرها من المسميات بدعم كامل من نفس الدول والقوى والأطراف التي أقرت ذاك الوعد المشؤوم.
سيبقى وعد بلفور جرحًا نازفاً داخل الذاكرة والوعي والضمير الإنساني كعنوان لمظلمة القرن، في ظل ممارسة سياسة الإرهاب المنظم والعنصرية والسرقة والتزوير التي يقوم بها كيان الاحتلال، والتي عبًر عنها من خلال سن عدد من القوانين التي تؤكد عنصرية ويهودية هذا الكيان، وبالتالي بات على ما يُسمى بالمجتمع الدولي التحرك ووضع حد لهذه السياسات الإرهابية والعنصرية وتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكب من خلال هذا الوعد المشؤوم"بلفور"، والتسليم بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية ولا سيما حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
ليفهم كل العالم من بلفور إلى نتانياهو وما بينهما،بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب، وإن كل محاولات البلطجة والتوسع والقتل والإرهاب لم ولن تُثني الشعب الفلسطيني ومعه كل شعوب العالم الحر في التخلي أو التنازل عن أرضه، وهو بدأ بالثورات منذ ثورة البراق عام 1923 وصولًا إلى طوفان الأقصى عام 2023 وسوف يستمر حتى استعادة حقوقه.