رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
فاز ترامب أخيراً، لتعيش المنطقة اليوم أخطر مرحلة تحول في تاريخها الحديث، ولا يعني وصوله البيت الأبيض أنه سيوزع الحروب حول العالم، فالشرق الأوسط عالق اليوم بين مخطَّط إسرائيل وأميركا لتغيير المنطقة، وهناك من يرفض هذا المشروع ويهدف لإفشاله، وهي فترة زمنية صعبة ومفتوحة على غير احتمال، ما بين رغبة نتنياهو ووعود ترامب، ولذلك على العالم أن يسأل: كيف فاز ترامب؟ ولماذا فاز ترامب في أسوأ توقيت دولي مزروع بالحروب المروعة...؟
جمْلة عوامل وتأثيرات قادت ترامب إلى البيت الأبيض ومعاكسة كل التوقعات واستطلاعات الرأي، وإحدى أهمها التقتصاد الأميركي الذي يأتي في أولوية اهتمامات الأميركيين، بعد أن طُبعت ولاية بايدن لأربع سنوات، بارتفاع في معدلات التضخُّم، وارتفاعٍ في أسعار الوقود والغذاء، فلم يعرف فريق الحزب الديمقراطي أسلوب شرح أسباب التضخم للناخبين الأميركيين، في حين أن ترامب، أحسن في حملته الانتخابية دعم الشركات الكبرى، واكتسب خبرة كبيرة من تجربته عام 2016، كما أن اعتماد الإدارة الأميركية على الطاقة المتجددة، وخفض إنتاج النفط في البلاد، لعب دوراً كبيراً في ارتفاع الأسعار، ممَّا أثَّر على المزاج الإنتخابي، بالإضافة لذلك استمال ترامب الشرائح المتدينة والمحافظة من الناخبين المسيحيين والمسلمين واليهود، بسبب نفورهم من الديمقراطيين، وانفتاحهم على قوننة المحرَّمات والتحول الجنسي وتحديد الهوية الجنسية وشرعنتها.
كما كان لدور إيلون ماسك، التأثير على الرأي العام بصورة كبيرة، وكان عاملاً أساسياً في استقطاب فئات من الشباب إلى جانب ترامب، واستخدام تأثيره عبر منصة إكس التي يمتلكها، إضافة إلى أن ترشيح كامالا هاريس قبل وقت قليل من موعد الانتخابات بعد انسحاب بايدن من السباق، أعطى الدفع الكبير للجمهوريين وأرجحيّة فوز ترامب على هاريس.
لكن الأهم في خسارة الحزب الديمقراطي أمام دونالد ترامب، تمثَّلت في عجز بايدن عن التوصل إلى حلول للحرب في الشرق الأوسط، وهي الحرب الكبرى التي ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين في فلسطين وغزة ولبنان، في توحُّشٍ مفْرط من قبل نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، في حرب لم يشهد التاريخ الإنساني الحديث مثلها في التوحش والقتل والتصفيات والاغتيالات، هذا ما أعطى منسِّق العلاقات العربيّة في حملة الرئيس ترامب اللبناني بولس مسعد، دوراً محوريًّا في استقطاب النّاخبين العرب والمُسلمين في مُختلف الولايات، وفي ميتشيغن على وجه الخصوص، خاصة بعد استعمال خطاب التخويف للناخبين، من أنّ الإدارة الدّيمقراطيّة تجرّ العالم إلى حرب عالميّة ثالثة، وأن ترامب سيوقف الحروب ويمنع انزلاق العالم نحوَها.
ما يريده العرب وشعوب الشرق الأوسط هو الرئيس دونالد ترامب، الذي سيعتمد على تشكيلة من فريقه السياسي والاستشاري، ليتمِّم به أمرين مهمين:
الأول متعلِّق بطريقة التعاطي مع المنطقة أثناء حملته الانتخابية، وهذا يعني أنه سيترتَّب على الرئيس الأميركي الجديد، حزم أمره ووقف الحرب في لبنان وغزة، في الوقت نفسه ليس هناك ما يشير إلى أنّ بنيامين نتنياهو مستعدّ لذلك، بل يراهن على وصول ترامب، من أجل متابعة ما يقوم به من حرب وحشية، إن في غزّة أو في لبنان، وفي أيّ مكان تصل إليه يده في سوريا واليمن على سبيل المثال، ولهذا اختار نتنياهو يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية، كي يقيل وزير الدفاع يوآف غالانت الموالي لواشنطن، الذي كان يحبّذ صفقة تؤدّي إلى إطلاق الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، فهو اختار لحظة ضعف قاتلة في واشنطن، كي يتخلّص من وزير دفاعه، والإتيان بوزير الخارجيّة يسرائيل كاتس مكانه، ليضع الرئيس الأميركي الجديد أمام أمر واقع، في أنّ هناك حكومة إسرائيلية تنوي الذهاب إلى النهاية في حروبها، وصولاً إلى مواجهة مباشرة مع إيران، التي وفّرت كلّ الأسباب من أجل الوصول إلى هذه المواجهة.
تكشف أوساط دبلوماسية عربية، بأن نتنياهو انتقل إلى قائمة جديدة من الأهداف والاستعداد الواضح لتحقيقها، تتركّز على المعركة البرّية في الجنوب، لتزخيم عمليّاته في قرى الخيام وبنت جبيل وميس الجبل، لتكون مسرحاً لقصف مركّز، تمهيداً لدخولها من قبل العدوّ، أسوة بما فعله في قرى الحافة الأمامية، ليسابق المستوى السياسي، بعد دخول دونالد ترامب البيت الأبيض رئيساً منتخباً للولايات المتحدة الأميركية، من خلال تسونامي شعبي، وحاكماً بصلاحيات واسعة ومركزة، ليحسم بذلك التكهّنات حول سيناريوهات المشهد اللبناني بعد إنجاز الاستحقاق الأميركي، رغم أن كل الأوساط الدبلوماسية العربية، لم تكن لتراهن على التباين والاختلاف بين الإدارتين الديمقراطية والجمهورية، والمقاربة لملفّات الشرق الأوسط.
فالإدارات الأميركية تتعامل مع منطقة الشرق الأوسط وفق مصالح تل أبيب دون غيرها، رغم اختلاف الأسلوب والطريقة، وهذا ما أظهرته التطوّرات الأخيرة حين بدا أنّ التوتّر الإسرائيلي- الإيراني قد يخرج عن السيطرة، وهو ما استدعى تدخّل الإدارة الأميركية.
إذن، عودة الرئيس السابق ترامب إلى البيت الأبيض، هو حدث تاريخي، لأن الناخب الأميركي اختاره هذه المرّة رئيساً على الرغم من معرفتهم به وبما يمكن أن يفعله، ومعرفته بكلّ تناقضاته، رغم أن الأغلبية من الشعب الأميركي والأوروبي يدرك مخاطر حصول مساومة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فرغبة ترامب بوقف الحروب في المنطقة، لا تعني أن القرار سيصدر سريعاً، ويتم وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، لكن يبقى الأمر رهناً بتاريخ تسلُّمه صلاحياته الدستورية، وتشكيل فريقه الوزاري والإداري، فضلاً عن التركة التي سيرثها من سلفه الرئيس المتردد بايدن، بالنسبة لمستوى الدعم العسكري الأميركي للدولة العبرية. كما أنَّ سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ، توفِّر لترامب الأكثرية من أجل الغطاء الدستوري اللازم في اتخاذ قرارات صعبة على المستوى الخارجي، لإطفاء الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، أو على المستوى الداخلي في الحد من الهجرة، وتخفيض الضرائب، والتصرف بالمخزون النفطي الكبير.
ما أردنا قوله اليوم، هو أنها المرة الأولى التي يُثبت فيها الصوت العربي قوته وحضوره في استحقاق كبير لهذه الانتخابات، ليتشكل لوبي عربي ولبناني ضاغط وفاعل في السياسات الأميركية، في مواجهة اللُّوبيات الصهيونية، ولذلك باتت عودة هوكشتاين للمنطقة لاستئناف وساطته مستبعدة، بعد فوز ترامب بالرئاسة بسبب ضعف الإدارة الأميركية الحالية في لعب دور الوسيط الأميركي الضاغط، من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي وإنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، كونها إدارة تنتهي صلاحيتها بعد شهرين، وهي أساساً لم تكن قادرة خلال مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية الأميركية، من فرض قرارتها لتتجاوب تل أبيب معها لوقف إطلاق النار مع لبنان والتوصل إلى اتفاق نهائي، وكذلك فإن أسباب عدم تجاوب نتنياهو مع طلب الإدارة الأميركية، لأنه يرفض إعطاء بايدن المنتهية مهماته مثل هذا الإنجاز، ويفضِّل أن يكون من نصيب الرئيس ترامب وإدارته الجديدة، ولذا على اللبنانيين انتظار فترة مرور ما تبقَّى للإدارة الأميركية الحالية، وتسلُّم الإدارة الجديدة لمهماتها وتعيين وسيط جديد، في حين يبدو أن المستفيد الوحيد من طول هذا الوقت، هو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي سيستمرُّ بحربه على حزب الله ولبنان، طوال هذه المدة، بلا حسيب أو رقيب، ما يعني بالنهاية مزيداً من الاعتداءات الإسرائيلية والقتل والدمار على اللّبنانيين، في انتظار تعيين واكتمال وضع الاستراتيجية الأميركية الجديدة، لكيفية التعاطي مع حروب المنطقة، ومع الحرب الإسرائيلية على لبنان تحديداً.. إنها إسرائيل "الدولة الشركه" التي أسَّسها مجموع المصالح الأوروبي في الشرق، والتي أصبحت الولايات المتحدة الأميركية شريكة فيها بعد الحرب العالمية الثانية، فلن يتخلوا عنها وسيدعمونها بالإمكانيات المادية واللوجستية العسكرية لبقائها واستمرارها...