د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
حاليًّا، تتجه أنظار العالم أجمع إلى الرئيس دونالد ترامب، بعد عودته إلى البيت الأبيض متسلّحًا بنصر سياسي وانتخابي غير مسبوق، بالرغم من نوبات الجنون التي ميزت سلوكه وخطاباته طوال السنوات الأربع الماضية.
وتبعًا لذلك، تكثر هذه الأيام التكهنات والتحليلات والتأويلات حول الاستراتيجية التي سيتبعها وسط الحريق القائم في كل من غزة ولبنان، خصوصًا وأن حروب إسرائيل في الشرق الأوسط تشكّل تحدّيًا مباشرًا لنهج "أمريكا أوّلًا" الذي سيطبقه ترامب على مستوى السياسة الخارجية، مع الأخذ بعين الاعتبار تقلبات ترامب الدائمة، وعدم القدرة على التنبؤ بقراراته وتصرفاته على الساحة الدولية.
وبينما شعر الكثيرون في إسرائيل بالارتياح عندما علموا بانتصار ترامب، انقسم الخبراء بشأن ما إذا كانت ولايته الثانية قد تشجع إسرائيل على المضي بحرب الإبادة تجاه غزة ولبنان، أو تؤدي إلى انخفاض الدعم الأمريكي، بالنظر إلى خطابه الأكثر انعزالية بشكل عام تجاه مؤيديه.
ترامب وتقلباته تجاه محرقة غزة والقضية الفلسطينية
في الواقع، يصعب على أي مراقب أو متابع البناء سلبًا أو إيجابًا على ما يقوله ترامب الذي يفعل الشيء ونقيضه في زمن قياسي قصير، بل إنه يجمع أحيانًا الشتاء والصيف تحت سقف واحد. فخلال حملته الانتخابية، كان قد دعا إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وغزة ولبنان، ووعد بأنه "سيكون هناك سلام في الشرق الأوسط"، دون تقديم تفاصيل عن أي خطط محددة.
لكن مهلاً، فالرجل سرعان ما بدّل كلامه، وأطلق أشد تصريحاته تطرفًا، عندما حرّض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكتوبر/تشرين الأول على الفتك باللبنانيين، خاطبه قائلاً: "افعل ما عليك فعله".
بالمثل، في خطاب النصر الذي ألقاه هذا الأسبوع، ادعى ترامب بشكل خاطئ أنه "لم تكن لدينا حروب" خلال إدارته السابقة، وأضاف أنه بينما قال آخرون إنه سيبدأ الحروب، أوضح أنه "لن يبدأ حربًا"، مؤكدًا بأنه سيوقف الحروب.
بالمقابل، حاول ترامب أيضًا جذب الناخبين اليهود والمسلمين، وقدم أحيانًا مواقف متباينة بشأن الصراع في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، احتفل ترامب بالعملية العسكرية الإسرائيلية التي أدت إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار، معتبراً أن نتنياهو "يقوم بعمل جيد"، لكن بعد ساعات، التقى بأحد قادة الجالية العربية المسلمة في ولاية ميشيغان - عمدة هامترامك عامر غالب الذي وافق في وقت سابق على تأييد ترامب - ووعده بإحلال السلام في المنطقة، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
وفي حفل أقامه المانحون في شهر مايو/أيار الماضي، أكد ترامب أنه يدعم حق إسرائيل في مواصلة "حربها على الإرهاب"، وتفاخر بسياساته في البيت الأبيض تجاه إسرائيل ووعد بسحق الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في حرم الجامعات.
وتعليقًا على ذلك، قال نهاد عوض، المدير التنفيذي الوطني لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية لصحيفة واشنطن بوست: "إن الناخبين العرب والمسلمين الذين شعروا بـ "الخيانة" بسبب دعم الحزب الديمقراطي لإسرائيل، سوف يراقبون ليروا ما إذا كان ترامب سيتمكن من إقناع إسرائيل بدعم إقامة الدولة الفلسطينية.
أكثر من ذلك، اعرب ترامب في أبريل/نيسان الماضي، عن شكوكه بشأن حل الدولتين، حيث قال لمجلة تايم: "كان هناك وقت اعتقدت فيه أن حل الدولتين يمكن أن ينجح. الآن أرجح أنه سيكون صعبًا للغاية".
إشارة إلى أنه أثناء فترة ولايته الأولى، اقترح ترامب خطة شاملة لإنشاء دولة فلسطينية مفككة محاطة إلى حد كبير بإسرائيل، ومنح إسرائيل ترخيصًا واسعًا لدمج المستوطنات اليهودية والسيطرة على الأمن في الأراضي التي تحتلها.
بناءً على ذلك، يرى بعض الخبراء أن ترامب وفريقه من المرجح أن يضغطوا من أجل وقف إطلاق النار بغزة ولبنان، أو اتفاقات سلام مؤقتة لاستعراض براعتهم في صنع السلام بعد وعود حملتهم الانتخابية. غير أنه نظرًا للعلاقة الوثيقة التي تجمع ترامب وحلفائه بإسرائيل، فإن مثل هذه التحركات "من غير المرجح أن تحسن ظروف الفلسطينيين أو تخلق مسارًا مجديًا نحو دولة فلسطينية".
العلاقة بين ترامب ونتنياهو
عمليًّا، كان نتنياهو من أوائل المهنئين للرئيس السابق هذا الأسبوع، حيث كتب على وسائل التواصل الاجتماعي أن هذا الفوز "يمثل بداية جديدة لأمريكا والتزامًا قويًا بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأمريكا." من جانبه، قال الإرهابي اليميني وزير الأمن في حكومة نتنياهو، إيتمار بن غفير، إنه واثق من أن ترامب سيتفق مع إسرائيل في قوانين مثل عقوبة الإعدام للفلسطينيين المدانين بالإرهاب.
علاوة على ذلك، أظهر نتنياهو تفضيلًا واضحًا لترامب خلال انتخابات 2024، ويحاول حاليًّا استعادة ودّ الرئيس المنتخب بعد أن أثار غضبه بتهنئة جو بايدن على فوزه في انتخابات 2020. ولهذه الغاية، قال غايل تلشير، عالِم السياسة من الجامعة العبرية، الذي تربطه اتصالات وثيقة بأعضاء في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، إن نتنياهو "يعتقد أنه الآن المنتصر الكبير... على جميع الجبهات".
إضافة إلى ذلك، أقدم ترامب أثناء رئاسته الأولى، على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعترف بمرتفعات الجولان كجزء من إسرائيل. كما قررت إدارته في عام 2019 أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي، وهو تحوّل عن أكثر من 40 عامًا من السياسة الأمريكية التي اعتبرت التوسع الإسرائيلي في الأراضي المحتلة منذ حرب 1967 عائقًا رئيسيًا أمام حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وتبعا لذلك قال نتنياهو في بيان آنذاك: "إسرائيل ممتنة بعمق للرئيس ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو، والإدارة الأمريكية بأكملها على موقفهم الثابت في دعم الحقيقة والعدالة."
ليس هذا فحسب، عقدت إدارة ترامب ما بات يعرف باتفاقيات أبراهام، وهي مجموعة من المعاهدات التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية - الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السودان، والمغرب - وهو ما عدّ خروجا عن الإجماع في السياسة الخارجية الذي اعتبر السلام مع الفلسطينيين شرطًا لتكامل إسرائيل الكامل مع العالم العربي. لذلك، وفي حفل التوقيع عام 2020، أشاد نتنياهو بقيادة ترامب "الحاسمة"، قائلاً إنه "وقف إلى جانب إسرائيل بشكل لا لبس فيه".
وعليه، وانطلاقًا من هذا التاريخ المتقلب والمحيّر لترامب، قال دوف واكسمان، أستاذ دراسات إسرائيل في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، إن رئاسة ترامب قد تكون نعمة مختلطة لنتنياهو.
وأضاف "من جهة، قد يكون ترامب منفتحًا على اعتراف الولايات المتحدة بخريطة معدلة لإسرائيل، مع ضم جزء على الأقل من الضفة الغربية إلى إسرائيل رسميًا، وقد يكون أيضًا مستعدًا لدعم استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة.
غير أن واكسمان لفت إلى أن ترامب ودائرته المقربة قد يكونون أكثر ميلاً من الرؤساء السابقين، إلى تقليص المساعدات العسكرية لإسرائيل، التي بلغت مليارات الدولارات سنويًا في العقود الماضية. وقال "لطالما أبدى ترامب تحفظًا على المساعدات الخارجية الأمريكية".
وماذا عن الحرب على لبنان؟
في الواقع، بينما يعتبر محلّلون أن ترامب قد يسمح لإسرائيل بمواجهة طهران بشكل أكثر عدائية، فإنه قد يطلب من نتنياهو أيضًا "إنهاء القتال في غزة ولبنان بحلول موعد تنصيبه في 20 يناير/ كانون الاول المقبل"، كما كتب نداف تامير، دبلوماسي إسرائيلي سابق والمدير التنفيذي لمجموعة الضغط "جي ستريت" في واشنطن، في صحيفة هآرتس الإسرائيلية الأربعاء الماضي.
وذكر تامير أن مثل هذا الضغط قد يعمّق المأزق الاستراتيجي لإسرائيل التي لا تعمل على خلق بديل دبلوماسي ليحل محل حزب الله وحماس."
في المحصلة:
يجمع العديد من الدبلوماسيين الغربيين، أن نتنياهو قد يواجه صعوبة أكبر في التصدي لمطالب الرئيس المنتخب الذي سيكون له تأثير أكبر على رئيس الحكومة الإسرائيلية الفاشي، وقد يكون قادرًا على دفعه إلى التراجع، لأنه سيكون من الصعب على الأخير أن يعارض ترامب.