نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
هل يعمل القرن , وربما التاريخ , لمصلحة أميركا ؟
قد تكون الإجابة لدى رئيس الأركان البريطاني السابق الجنرال ديفيد ريشاردز الذي يرى أن العالم , بفوضويته الراهنة , في مرحلة انتقالية يمكن أن تنتهي قبل منتصف القرن , لتكون البشرية أمام خارطة جديدة للقوى ، الانتقال من حالة الاستقطاب الأحادي إلى الاستقطاب المتعدد الأبعاد والمتعدد الرؤوس .
في دورية الـ"فورين آفيرز" الأميركية , كتبت أوريانا سكايلر ماسترو , الباحثة في معهد "فريمان سبوتلي للدراسات الدولية" , عن "التحالف الناشئ بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران" , ما يثير قلق واشنطن , لأنَّ ثلاثًا من هذه الدول تمتلك ترسانات نووية .
من هنا العودة إلى سؤال المؤرخ الإسرائيلي زئيف سيترنهيل , من سنوات , "إلى متى البقاء داخل الحالة الأميركية؟ لننتقل إلى اللحظة التي تتشكل فيها الحالة الإسرائيلية ؟" . آنذاك رد عليه الحاخام الأميركي شمولي بوتيتش , من نيوجيرسي , "لكأن الدم الذي يسري في عروقك ليس دم يهوه" .
لا مكان لإسرائيل إلا في "الحظيرة الأميركية" , والتي وصفها سيترنهيل بـ"حظيرة المجانين" , أو "حظيرة الضحايا" , لنصل إلى هذا السؤال الذي طالما ظهر , بين الحين والآخر , في أبحاث جامعة هارفارد "لماذا تعشق أميركا إسرائيل ؟" , و"لماذا تكره إسرائيل أميركا ؟" . المسالة في الصراع حول قيادة البشرية , بين قبعة الكاوبوي وقلنسوة الحاخام (في التلمود "قم بتغطية رأسك حتى لا يكون غضب السماء فوقك") .
الأمبراطورية الأميركية كصناعة بشرية والأمبراطورية الإسرائيلية كصناعة الهية . في هذه الحال , من يقود الآخر ؟
حين يقول دونالد ترامب بإقفال كل الطرق التي تقود إلى "الصين العظمى" . هذا يعني الوقوف بقوة في وجه ذلك الرباعي الذي يمتد من مضيق بيرنغ (على التخوم الأميركية) إلى مضيق هرمز (على التخوم الإسرائيلية) . لن يلجأ إلى الصواريخ العابرة للقارات . باستطاعته إغراء روسيا بالمقاطعات الناطقة بالروسية في أوكرانيا , بعدما أنهكت الحرب هناك الدببة القطبية , وكذلك احتواء إيران من خلال الضغط على الحلفاء , ورفع مستوى العقوبات لـ"منع تدفق الدماء في الشرايين الإيرانية" (فوكس نيوز) .
بانورامياً , لا مجال البتة للفصل بين الرؤية الأميركية والرؤية الإسرائيلية , وحيث التقاطع الاستراتيجي والإيديولوجي ، في المسألة الإيرانية ترى الولايات المتحدة "ترويض نظام آيات الله" لاستحالة القضاء عليه بسبب التعبئة العقائدية العاصفة . إسرائيل ترى "تقويض" ذلك النظام , بعد الاستنزاف المنهجي , والقاتل , للقوى التي ترتبط به بشكل أو بآخر في الإقليم .
تكتيكياً كانت معادلة بيروت مقابل تل أبيب، استراتيجياً طهران مقابل تل أبيب . لا غزة , كـ"حجة مقفلة لا أبواب ولا نوافذ" , ولا لبنان , حيث الأبواب المشرعة والنوافذ المشرعة , الطريق إلى "تغيير الشرق الأوسط" يبدأ من إيران , وبعدما تفحّص الإسرائيليون , عسكرياً واستخباراتياً , نقاط الضعف هناك , الواحدة تلو الأخرى . ولكن حين يهرب الأميركيون , تحت جنح الظلام , من أفغانستان , كيف لهم الانزلاق إلى الحرب مع إيران ؟
لنتذكر أن دنيس روس , وكان "حصان أورشليم" في وزارة الخارجية الأميركية , وحتى كمبعوث إلى المنطقة . دعا إلى القوة القصوى لأن الخروج من أفغانستان يعني الخروج من الشرق الأوسط . لهذا كان اللجوء إلى "أم القنابل" (جي .بي. يو ـ 43 / بي) في أحد أودية ولاية ننغرهار .
في نظر الائتلاف الحاكم في إسرائيل من يستعمل القنبلة ما قبل القنبلة النووية في أفغانستان , يستطيع استعمال القنبلة النووية في إيران .
الآن , المقاومة في لبنان , والتي فاجأت الإسرائيليين , بأنها لا تزال تحتفظ بترسانتها الصاروخية , وكذلك بالمسيّرات , التي ضربت تل أبيب , هل يمكن أن تتفاعل أحداث الأرض بالطريقة التي تفضي إلى انفجار الصراع بين إسرائيل وإيران ؟
مضحك القول أن دونالد ترامب يحاول المضي في دومينو التطبيع لنيل جائزة نوبل للسلام ( بعد تيودور روزفلت , وودرو ويلسون , وجيمي كارتر , وباراك أوباما) . الرجل يريد الدخول إلى التاريخ كنبي للقرن .
ولكن مثلما لاحق شبح دونالد ترامب جو بايدن على امتداد السنوات الأربع المنقضية , قد يلاحق شبح الرئيس الحالي شبح الرئيس المنتخب للسنوات الأربع المقبلة , بعدما أغرق الشرق الأوسط والشرق الأوروبي بالنيران , وإلى حد القول أن بايدن نجح في تفخيخ طريق ترامب إلى البيت الأبيض . للمرة الأولى يحكى عن التقاطع بين المأزق الأميركي والمأزق الإسرائيلي . أين تذهب الذئاب , هنا وهناك , والحال هذه ؟؟