نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
بدءاً من قول المستشرق الألماني الأميركي فرانز روزنتال "من يمسك بأبواب الشرق الأوسط إنما يمسك بأبواب العالم، وحتى العالم الآخر"، ليستدرك ساخراً "أخشى أن تكون أبواب جهنم".
والآن ، ألا يحذّر ضابط الاستخبارات السابق سكوت ريتر الرئيس دونالد ترامب من "الذهاب بنا إلى جهنم"؟
هذا لنحاول استعادة خارطة الغارات الإسرائيليّة ضد أهداف محددة في سوريا، وعلى امتداد عام أو أكثر.
لم تكن الغاية إنهاك سوريا، المنهكة أساساً من الحروب المتعددة الإيديولوجيات، والمتعددة الاستراتيجيات، وإنما صياغة خارطة طريق للفصائل المعارضة المبرمجة وفق التوقيت الأميركي، أو وفق التوقيت الإسرائيليّ، للتحرك ميدانياً، ووضع دمشق أمام تلك الخيارات القاتلة، إما التفكيك (وعودة الحرب) أو الالتحاق بدومينو التطبيع.
دائماً مع التهويل بالتسونامي الذي سيضرب المنطقة من أدناها إلى أقصاها، اعتباراً من 20 كانون الثاني المقبل.
ثمة فريق تشكل لا لإدارة أميركا فحسب، بل لإدارة العالم، بنظرة فلسفية من أولوياتها احتواء الشرق الأوسط، بفرض السلام الأميركي (Pax Americana )، وإن كانت معاهد البحث الأميركية ترى أن الإعصار التكنولوجي، والذي يتمثل بوجه خاص في الذكاء الاصطناعي، لا بد أن يفضي إلى إحداث تغييرات بنيوية في العلاقات، وفي المعادلات الدولية، ناهيك عن التأثير في المنحى الذي يأخذه صراع الحضارات، أو صراع الاستراتيجيات، أو صراع الأسواق.
من البداية، كان هناك نوع من التشابه بين بنيامين نتنياهو وشايلوك (اليهودي) في مسرحية شكسبير "تاجر البندقية"، أن يأكلوا لحمنا ونحن أحياء.
المشهد يتبلور أكثر فأكثر حين يتبين لنا أن كل ما فعله رئيس الحكومة الإسرائيليّة يندرج في سياق المشروع الأميركي الذي لا مشروع غيره في المنطقة، وإن جرت محاولات جيوسياسية عشوائية للتمدد على هامش ذلك المشروع، فكان الارتطام ليس فقط بالخطوط الحمراء وإنما بالأحزمة الحمراء ...
وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران الذي حال الرئيس رونالد ريغان دون الأخذ بدعوته إلى عقد مؤتمر دولي لوضع حد للصراع العربي ـ الإسرائيليّ، قد تحدث في الحوار الذي أجراه معه الناشط اليهودي إيلي ويزل (كتاب Verbatim )، عن الأسوار الأميركية في الشرق الأوسط، كونها الأسوار الأبدية.
كل ما يعنينا الآن، والمنطقة تعاني من العراء الاستراتيجي، ألا تكون ... الأسوار الاسرائيلية.
هل يفهم دونالد ترامب الشرق الأوسط لكي يتمكن من احتوائه، سواء بالقفازات الحريرية أم بقرع الطبول، بعدما لاحظ هنري كيسنجر الذي غاص حتى في البعد "اللاهوتي" للأزمة أن الحل قد يكون من صلاحيات الملائكة، لا الجراحة الديبلوماسية، ولا الجراحة العسكرية، يمكن أن توصل إلى مكان، ما دامت جذور الأزمة تعود إلى قرون بعيدة.
إذاً محاولات عبثية من الجراح الإسرائيليّ الذي أحدث كل ذلك الخراب الدموي في غزة، وفي لبنان، أيضاً في الضفة الغربية، ما دام ينطلق من مقولة رافاييل ايتان "العربي الجيد هو العربي الميت.
الآن جاء دور الفصائل المعارضة في سوريا استكمالاً للحلقة السورية من السيناريو التوراتي إياه، وتزامناً مع مخاوف لبنانية من وصولها، أو اختراقها، للحدود اللبنانية، على غرار ما جرى على السفوح الشرقية حين بدا أن الرايات السوداء، ستوظف التفكك الداخلي لترفرف على القصر الجمهوري.
ألسنا الآن، وسط ذلك الركام، في وضع قد يكون أكثر دقة، وأكثر حساسية من الوضع الذي كان قائماً قبل عشر السنوات، وإن كانت المصادر السياسية، والديبلوماسية، العربية والغربية تؤكد أن الملف اللبناني بكل تفاصيله، بات في القبضة الأميركية.
هنا التساؤل ما إذا كانت البوابة اللبنانية مدخلاً إلى تغيير ما في سوريا، أم أن البوابة السورية هي المدخل إلى تغيير ما في لبنان؟
القيادة السياسية، والعسكرية، السورية تؤكد الاستعداد لاستعادة مدينة حلب، والمناطق الأخرى. لكنها حرب المدن وما تستغرقه من الوقت، ومن الضحايا، ومن الخراب، لبيقى التساؤل أين هم من كان يفترض أن يتجولوا بالأشعة ما تحت الحمراء، في رأس أبو محمد الجولاني، وهو الذي يفكر في ضوء الغارات الإسرائيليّة المتلاحقة على منطقة القصير، في الاستيلاء على الطريق الذي يفصل بين دمشق والساحل السوري لتبدأ الكوارث الكبرى، والمذابح الكبرى؟
منذ أيام دوايت ايزنهاور (1953 ـ 1961 )، إلى أيام جورج دبليو بوش (2001 ـ 2009 ) وصولاً إلى أيام دونالد ترامب الذي يطأ ثانية، أرض البيت الأبيض بعد أسابيع من الآن، ومصطلح الشرق الأوسط الكبير يضج في الرؤوس. الشرق
الأوسط الأميركي . عسى ألاّ يكون، ولن يكون... الشرق الأوسط الإسرائيليّ !!