نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
وراء الضوء في لقاء معراب كلام عن مفاجأة حول من يكون رجل القصر في 9 كانون الثاني , على وقع تغييرات دراماتيكية ستطرأ , في الحقبة المقبلة , إن في المشهد الشرق أوسطي , أو في المشهد اللبناني . دائماً انطلاقاً من المفاعيل السياسية , والاستراتيجية , لما حدث , ويحدث , في الجنوب اللبناني , وما حدث , ويحدث , في الشمال السوري , لنتوقف عند تلك النظرية الغرائبية لدى بعض القوى اللبنانية "أميركا تحمينا من إسرائيل , وإسرائيل تحمينا من سوريا وإيران" .
كثيراً ما كانت مصيبتنا في النظر إلى الأحداث , الأحداث الهائلة ومفاعيلها , من ثقب الباب , وبثقافة العتابا والميجانا التي جعلتنا على مسافة ضوئية من قراءة ما يحدث في المحيط بعيداً عن اللوثة القبلية , أو اللوثة الطائفية , لكأننا استسغنا دور الضحية , ودائما عبر المفهوم الملتبس للدولة . الاختيار المستحيل بين أن نكون هانوي أو نكون هوكونغ (فانتازيا لغوية أم ايديولوجية ؟) .
الآن لا هونغ كونغ ولا هانوي . من يدري كيف سيكون عليه لبنان الذي قال السفير الفرنسي السابق رينيه آلا إنه ينتج اللبنانيين , والذي أغوى السفير الأميركي السابق ريتشارد جونز ليتمنى قضاء بقية عمره فيه .
جونز الذي قال "بتنوعكم , يمكن أن تكونوا مركز الإشعاع في هذا الشرق الذي اعتاد على البقاء في الظلمات" . لا أحد قال له "يا صاحب السعادة , أليس جون فوستر دالاس , وزير الخارجية في عهد الرئيس دوايت ايزنهاور , من أوصى بوضع "هذا التنين في الثلاجة ؟" بعدما خشي من أن ينتقل جمال عبد الناصر بالعرب من عباءة الماضي إلى لعبة القرن ...
المراسل البريطاني روبرت فيسك الذي أمضى سنوات في بيروت أسماها "سنوات العشق" , بالرغم من مراراتها , في بعض , أو في أكثر الأحيان , وصف ذلك النوع من الساسة اللبنانيين الذين يقعون في جاذبية اللحظة بـ"أوركسترا الغبار" . لنتذكر ما حدث في عام 2011 حين كان النوع إياه يأخذ بالمهل التي كان يحددها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان , بلهجة السلطان العثماني , لإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد , وإقامة حكم تورا بورا على ضفاف بردى . كم واحداً من ذلك "النوع" كان ينتظر , لساعات طويلة , تحت أشعة الشمس في عنجر , أن يفتح غازي كنعان , أو رستم غزالي , أمامه الباب ؟
الآن يتحدثون بثقة عن أن ما يحدث في سوريا حلقة من سيناريو متكامل يلحظ إزالة أي أثر , وأي تأثير , لدمشق أو لطهران , على لبنان . الزمن الأميركي دخل , عبر القاذفات الإسرائيلية , إلى الغرفة اللبنانية , بل وإلى كل المنطقة التي متى لم تكن على خط الاحتمالات , بعدما كان هنري كيسنجر قد رأى أن من يحاول أن يمسك بالشرق الأوسط كمن يمسك بالريح .
لا شك أن المشهد سريالي على الأرض السورية . من حرّك قبائل يأجوج ومأجوج , غداة وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل , بتداخل ذلك مع الحقبة الضائعة في الولايات المتحدة بين ولاية تنتهي وولاية تبدأ . السيناريو في منتهى الوضوح , وهو يشمل أكثر من دولة عربية . ولكن هل يمكن لهذا السيناريو أن يصل إلى النهاية (التهاية السعيدة) , دون أي اعتبار للتضاريس التاريخية , والإيديولوجية , التي تضج بها المنطقة ؟
هناك الروس , وهناك الإيرانيون , الذين يدركون أن خروجهم من سوريا هو الخروج من الشرق الأوسط . موسكو تقول ألاّ عودة للدببة القطبية إلى ما وراء الثلوج , وطهران تعتبر أن أي تراجع لدورها الجيوسياسي في المنطقة لا بد أن تكون له مفاعيله الاستراتيجية الخطيرة إن على النظام أو على الدولة , خصوصاً بوجود إدارة جديدة في واشنطن بخلفيات سياسية أو عقائدية معادية للجمهورية الإسلامية , ولا تقول فقط بــ"تغيير سلوك إيران" , وإنما بتقويض النظام . ولكن هل يمكن تحقيق ذلك بالجراحة الديبلوماسية دون الجراحة العسكرية ؟
هنا السؤال الكبير حول ما يمكن أن يفعله دونالد ترامب , خصوصاً مع كلام بعض الخبراء الأميركيين عن حصول تغيير في نظرة إيران إلى العالم , بالانتقال من معادلة "الكثير من الإيديولوجيا والقليل من البراغماتية" , إلى "الكثير من البراغماتية والقليل من الإيديولوجيا" , حتى أن المرشد الأعلى للجمهورية آية الله خامنئي الذي وصف , عام 2019 , أي تعامل مع "العدو" , أي مع الولايات المتحدة , بـ "السم الزعاف" , أفتى هذا العام حتى بضرورة التفاعل معه .
هنا يقطع السفير الأميركي المنتظر مايكل هاكابي الطريق على أي مسعى للتواصل بين طهران وواشنطن , باعتبار أن "التحول الإيراني" حصل بعد "فوات الأوان" . هل هي مرحلة كسر العظم إذاً ؟ من يكسر عظم الآخر ...؟
لكن دونالد ترامب رجل المفاجآت . هو من بحث جدياً في توجيه ضربة نووية إلى كوريا الشمالية , ما لبث أن التقى كيم جونغ ـ أون , وبطريقة توحي بالتوصل إلى "تفاهم وثيق" بين الرجلين , فهل يمكن أن يتكرر المشهد مع آية الله خامنئي أم مع مسعود بزشكيان ؟
الأميركيون (والإسرائيليون أيضاً ) يعتقدون أن في أيديهم أوراقاً كثيرة , لا سيما بعد حرب غزة , وما آلت اليه , وحرب لبنان , وما آلت إليه , ناهيك عن الحدث السوري , بأبعاده السياسية , والاستراتيجية , البعيدة المدى , وإلى حد الحديث عن إعادة "الزمن البهلوي" إلى إيران .
في رأي الديبلوماسي المخضرم ريتشارد هاس أن الوضع في الشرق ألأوسط أكثر تعقيداً مما تراه "الرؤوس العائمة" في إدارة دونالد ترامب , الآتي من أروقة وول ستريت , ومن أرصفة البيفرلي هيلز . والذي لا يفهم أميركا , فكيف له أن يفهم العالم ؟
بين ذئاب واشنطن وذئاب تل أبيب , ثمة شرق أوسط لطالما دعا السناتور بيرني ساندرز ألاّ "نصنع منه بوابة إلى الجحيم…" .