د.أكرم حمدان - خاصّ "الأفضل نيوز"
منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وقوات الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي وحتى لحظات كتابة هذه السطور، يستمر كيان الإجرام والإرهاب الصهيوني في العربدة والعدوان على مساحة الجنوب وتستمر الخروقات للسيادة اللبنانية بشتى الوسائل والطرق وتكاد لا تفارق طائرات الاستطلاع أجواء العاصمة بيروت، ما بات يطرح الكثير من الأسئلة حول مفهوم السيادة وكيفية حمايتها في ظل انشغال الوسط السياسي والنيابي اللبناني بما ستؤول إليه جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة في التاسع من كانون الثاني المقبل.
إن هذا الواقع وما يترافق معه من تطورات في المنطقة ولا سيما ما تشهده الساحة السورية، يفترض أن نكون أكثر حرصاً وسيادية من قبل، فالعدوان توقفت آلته التدميرية نوعاً ما، باستثناء ما يجري في الجنوب والمواقف الآتية من الخارج ولا سيما من الراعي الأميركي لا تبشر بالخير.
إن مفهوم السيادة لا يفترض أن يتجزأ وعليه، فالمطلوب بعض السيادة يا سادة في عناوين عدة.
إن المطلوب بعض السيادة تجاه الإشارات المتناقضة أميركياً حول إنجاز الاستحقاق الرئاسي، حيث إنَّ بعض من هم في فلك الإدارة الديموقراطية الراحلة يستعجلون انتخاب الرئيس العتيد، بينما يتناقض هذا الأمر مع ما يكرره مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط مسعد بولس،الذي قال في أكثر من حديث صحافي ولا سيما لصحيفة "لوبوان" الفرنسية إنه "يجب ألا نتسرع في انتخاب أحد مهما كانت الطريقة"، معتبراً أنه "بإمكان اللبنانيين الانتظار شهرين أو ثلاثة أشهر أخرى لتصحيح الأمور، في إطار اتفاق دولي شامل، يتضمن الإصلاحات اللازمة لإعادة بناء البلاد ومؤسساتها"، وشدد على،"إن اتفاق وقف إطلاق النار لا يشمل جنوب الليطاني فقط بل كل لبنان، وعلى الجيش اللبناني نزع سلاح حزب الله"، كما تحدث عن مواصفات الرئيس في كيفية بناء الدولة.
هذه المواقف للمستشار اللبناني -الأميركي لترامب أتبعت بتسريبات وتصريحات وتوضيحات عن انتخاب رئيس بـ86 صوتاً وأكثر، دون أن نسمع أو نقرأ أي تعليق أو بيان استنكار حول التدخل والسيادة.
لقد مَلَّ وكَلَّ رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو يقول لا جلسة ولا رئيس إلا بعد تأمين الـ86 صوتاً كحد أدنى للانتخاب، ودعا ضمن هذه القاعدة إلى الحوار ثم التشاور ثم التوافق بين اللبنانيين ولكن دون جدوى وكان يُتهم بإقفال المجلس وبأنه والحلفاء يرهنون الرئاسة للمحور، بينما لم نسمع حرصاً على السيادة عندما أتى الكلام من واشنطن، فسبحان مغير الأحوال.
لقد عربد ويستمر العدو الصهيوني في التفجير والتدمير في قرى ومنازل المدنيين في الجنوب ومنع الأهالي من العودة إلى بلداتهم في أكثر من 50 بلدة وقرية، بحجة أن اللجنة الخماسية الموكلة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار لم تكتمل بعد، لكن نصاب هذه اللجنة اكتمل وحضر رئيسها الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز إلى بيروت وممثل فرنسا فيها الجنرال غيوم بونشين وعقدا اجتماعات مع المسؤولين، كما أن لبنان سمى ممثّله في اللجنة العميد إدغار لاوندس، ولكن ماذا فعلت حتى الآن وماذا عن السيادة يا سادة؟
إن التباين في الموقفين الأميركي والفرنسي حول الرئاسة بدا واضحاً، وقد "يفرمل" الجهود الداخلية في أخطر مرحلة تعيشها المنطقة ولبنان، خصوصاً بعد التطورات في سوريا والخشية من انتقال الفوضى إلى بعض المناطق اللبنانية إذا تمدد الجولاني وجماعته بعد حماه إلى حمص وربما إلى جرود عرسال ووادي خالد، وماذا لو تحرك المسلحون في ريف دمشق والمناطق القريبة من القلمون اللبناني؟ ألا يستدعي كل هذا بعضاً من السيادة؟
لقد كنا أمام الخماسية الرئاسية فأصبحنا أما خماسيتين الأولى رئاسية والثانية أمنية وبالتالي فنحن علينا أن نعترف كلبنانيين على مستوى المسؤولين أننا قاصرون وبحاجة إلى وصاية دائمة لإدارة شؤون البلاد، وهذا بحد ذاته لا يشبه السيادة بشيء.
إن القادة والمسؤولين اللبنانيين ولا سيما الأحزاب والكتل البرلمانية والنواب، أمام امتحان مفصلي لإثبات استقلاليتهم وسيادتهم وولائهم للبنان الوطن، من خلال ما سيقررونه في جلسة انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني المقبل.
لقد وفى الرئيس نبيه بري بوعوده وحدد موعد الجلسة وذهب أبعد من ذلك بقوله إنها ستكون جلسة مثمرة ومنتجة إن شاء الله، وأعلن صراحة أنه سيوجه الدعوة إلى السفراء المعتمدين في لبنان، في إشارة منه إلى أهمية وجدية الجلسة، وأتبع ذلك بتوجيه دعوة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين،لحضور الجلسة خلال اتصال هاتفي جرى بينهما، وقد وعد الأخير بتلبية الدعوة.
لقد أدت خطوة بري إلى إرباك عدد كبير من القوى والأطراف الداخلية والخارجية، وسط الحديث عن خطوة "مفاجئة وكبيرة" قد يُقدم عليها بري أيضاً بعد انتخاب الرئيس ـ إذا حصل ـ وقد تؤدي إلى إرباك الساحة السياسية وتقلب الطاولة في وجه الجميع.
فهل يمكن الرهان على السيادة يا سادة مع بداية العام 2025؟ أم إننا دخلنا عصر ترامب وسننتظر ماذا تقرر الخماسيتان؟؟
لننتظر ونرَ.