كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
يُبدي رئيس الحزب التّقدُّمي الاشتراكيّ السَّابق وليد جنبلاط قلقه من المرحلة المقبلة، وما يرسم للمنطقة من خرائط، لإعادة تقسيمها كما حصل في "اتفاقيةِ سايكس - بيكو" عام ١٩١٦، التي تقاسم فيها كلّ من الاستعمارين البريطاني والفرنسي بلاد الشام والعراق، وما يُعرف بالمشرق العربي أو الهلال الخصيب.
ومنبع القلق عند جنبلاط استعادة الخارطة الأولى للتَّقسيم، بنسخة جديدة ومنقَّحة باسم "سايكس - بيكو٢"، التي يجري تقسيم المقسّم، أي العودة إلى الدُّويلات الطَّائفيّة والمذهبيّة والعرفيّة، حيث عادت نغمة "الدَّولة الدُّرزيّة" إلى الظُّهور، مع الأحداث التي وقعت في سوريا، وأدَّت إلى رحيل نظام حزب البعث العربي الاشتراكي، ومغادرة الرئيس بشار الأسد سوريا، دون علم أحد وبشكل مفاجئ، ممَّا أتاح "لهيئة تحرير الشَّام"، بقيادة أحمد الشَّرع المعروف بـ "أبي محمد الجولاني"، أن تتابع زحفها العسكري نحو دمشق، والسَّيطرة عليها، بعد أن بسطت نفوذها على محافظات أخرى، بنحو عشرة أيَّام.
فسوريا المُتعدِّدة الانتماءات الطَّائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة، كما العراق ولبنان، بأن يسود الأقلّيات فيها القلق والخوف، عن المصير الذي ينتظرهم، وقد شاهدوا ما حلَّ بهم في العراق، على يد تنظيم "داعش" الذي كان يرأسه "أبو بكر البغدادي"، وكان الجولاني أحد قيادييه، والذي انشقَّ عنه لتأسيس "جبهة النُّصرة" التي لم تختلف ممارساتها الدَّمويّة عن "داعش"، إلى أن تحوَّلت إلى "هيئة تحرير الشَّام" قبل ٦ سنوات، وحكمت محافظة إدلب، ونقلت حكومتها برئاسة محمد البشير إلى دمشق، وتسلَّمت الحكومة أعمالها من الحكومة السَّابقة التي عيَّنها الرَّئيس الأسد.
فسوريا المحكومة من تنظيم واحد، وقائد واحد، دون مشاركة أطراف من ما كان يُسمَّى "معارضة" ترك أسئلة مُقلقة عن "سوريا الجديدة" وفق توصيف المعارضة، كما عند الأقلّيات، التي بدأت تنزح من سوريا، كالشِّيعة الذين انتقلوا إلى الهرمل والبقاع الشّمالي مع ارتكاب جرائم ضدَّهم من قبل مسلَّحين، بالرَّغم من أنَّ الجولاني، طمأن الأقلّيات، لكنه لم يسحب الخوف عندهم، وهذا ما بدأ يظهر عند الدّروز في سوريا، الذين يتوزَّعون على مناطق عدّة في سوريا، فكانوا في جبل السمّاق بمحافظةِ إدلب يسكنون حوالي ١٧ قرية، ويصل عددهم إلى حوالي ٥٠ ألفًا، نزحت غالبيتهم منها منذ سنوات، وفُرضت الشريعة الإسلامية عليهم، إلَّا أنَّ الأخطر هو وجود الدُّروز في جنوب سوريا بمحافظة السويداء كما في الجولانِ والقنيطرة وريفها، إذ عاد الحديث عن "دولة درزيّة" في هذه المنطقة تمتدُّ إلى الشوف مرورًا بحاصبيا وراشيا، وتشكل هذه الدولة حزامًا أمنيًّا للكيان الصهيوني، إضافة إلى أن أبناء هذه الدولة سيكونون عناصر في الجيش الإسرائيليّ، الذي يخدمون فيه منذ خمسينات القرن الماضي.
وظهرت مواقف وأصوات درزيّة تطالب بالانضمام إلى إسرائيل، لا سيما في ريفِ القنيطرة التي توغَّل فيها الاحتلال الإسرائيليّ في مسافة ٢٥ كلم وعلى بعد عشرين كيلومترًا من دمشق، بعد أن استولى الجيش الإسرائيليّ على أعلى قمة في جبل الشيخ والتي تبلغ ٢٨١٤ مترًا، وهذا ما ساعد بعض المُتعاونين مع العدوِّ الإسرائيليِّ على تأمين الحماية لهم من السُّلطة الجديدة في سوريا، وصدرت تصريحات تدعو إلى أن تقوم "الدولة الدّرزيَّة" في التَّقسيم الجديد لسوريا، وهذا ما أقلق جنبلاط من مشروع التَّقسيم، والذي يتناغم معه "دروز في فلسطين وسوريا، ويتزعَّمهم المرجع الرُّوحي للدُّروز في فلسطين المحتلّة الشَّيخ موفق ظريف.
فمشروع الدَّولة الدُّرزيّة طرح في عشرينيات القرن الماضي وبعده، وتجدَّد في الخمسينات ورفضه كمال جنبلاط، وأعيدت الرُّوح له في ثمانينات القرن الماضي، ورفضه وليد جنبلاط وما زال.