ربى اليوسف - خاصّ الأفضل نيوز
يطل عيد الميلاد هذه السنة من كنيسة بيت "لحم" أو كنيسة المهد كما يسمونها، هناك من الضفة الغربية منبع الصراعات والحضارات والبطولات التي بدأت بالحجر والسكين.
هناك عند النجمة الفضية، التي تقع تحت المذبح في مغارة المهد، وضع الفلسطينيون أيديهم.. تضرعوا إلى الرب.. في المذود المزّيَن بالمرمر والمكتوب عليها باللاتينية: Hic de Virgine Maria Jesus Christus natus est والذي معناه: هنا ولد المسيح يسوع من العذراء مريم.
هي فلسطين، شريكة جراحات المسيح، والصلب والشوك والمذبح ودرب الجلجلة.. منذ الـ 1948.. إلى الـ 2024.. ويمتد التاريخ.. هي فلسطين، التي رماها إخوتها في الجب .. فرفع الله شأنها في العالمين.. يوم دمرت، ويوم قطعت رؤوس أبنائها ورُفعت أشلاؤهم، يوم اغتُصبت نساؤها، وعُرّي رجالها، فما كان منهم إلا أن يُفلتوا كلاب الحراسة على أجساد شبابها في السجون وعلى المسنين .. يوم ذاب اللحم واختلط بـ "نايلون" الخيام.
يوم حمل خالد النبهان، حفيدته بين يديه، ناطقًا جملته الشهيرة: روح الروح.. ماتت ريم، ومات جدها خالد.. لم يموتوا، قتلوا واستشهدوا.. صلبوا وارتفعوا.. يوم كان الكل يسقط إنسانيًا وأخلاقيًا.. وحضاريًا. والحضارة التي ترتفع على جماجم البشر ليست حضارة, بل تبديل أثواب، وأقنعة للاستعمار والاستعباد وحلبات روما.
تغير شكل القتال، والحلبة.. لكن بقي الصراع هو هو.. بين عبد ومعبود، ظالم ومظلوم، والبعض في "سبات دوغمائي عميق".. لكن يبقى يحق لنا أن نحلم، للفلسطينيين أن يحلموا. ولتكن مشيئتك تمامًا في كل شيء"، كما قال بوليكربوس الأسقف الشهيد.. يوم هموا بقتله، وأعدوا له "أتون النار".
فبمهابته ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه.. حيَّر أعداءه. كذلك هم.. كانوا يحيِّرونه، بالمثلث الأحمر ومن مسافة صفر.. حفاة.. يشرّعون صدورهم للدبابات ونحن نعيش اليوم عصر الخوف من "الأفول" يا كارلو سترينجر، وكما ورد في مقدمة كتابك، تقاس قيمتنا بحسب عدد الأصدقاء في موقع "Facebook", أو عدد النقرات في غوغل، أو بحسب قوائم التصنيف اللانهائية للأشخاص الأكثر تأثيرًا والأكثر شهرة والأكثر جاذبية والأكثر سلطة والأكثر ثراء، وتقاس بنظري كثرة الثراء بالقدرة على العطاء، وكثرة الشهرة بالاختفاء والظهور للحظة، لمرة واحدة، واحدة فقط.. ومن كان أكثر منهم عطاء وبذلًا وقدرة على التخفي ، في الكروم و الحقول وتحت الشجر بين العشب.. وفي كف مريم يوم رموها بكل التهم الباطلة، فنطق مسيحها طفلًا.
لمريم، ابنة الناصرة، لحنّة تقتات من يد الملائكة.. للناصرة، لفلسطين، لأطفالها الذين لا يعرفون العيد.. ضحايا عصر (العجل الذهبي) وتسليع كل شيء حتى إنسانية الإنسان.
تمرُّ هذه العقود من الزمن، حيث كل شيء أصبح قابلًا للقياس من الناحية الاقتصادية فقط، حتى نعيد مع سترينجر سؤال "ما الذي يعنيه عيش حياة ذات قيمة؟".. أو لنقل بدل من السؤال إعادة تقييم.
ففي عقدنا، ينحى الجميع أن يكونوا معروفين لا مهمشين، وهل هي حاجة بيولوجية وجودية؟. كل شيء قابل للفحص والتحقيق والتدقيق.. ولكن مرات كثيرة يكون للهامش/ الدور الكبير في صنع التطورات الكبيرة وتحريك عجلة الزمن ولو ببطء.
ومع الزمن يَشتدُّ عودك، والعود الذي يطيبون به جسدك أو قبرك.. الـ Aquilaria agallocha. ربما يصبح طيبًا لراية النصر.. وأولى علامات النصر التحرر من الاستبداد والفوقية.. فكل ممارسة للفوقية هو ممارسة لنوع من الألوهية وفي الأديان.. الإلٖه واحد... لا إله إلا هو الواحد الأحد.
وفي الختام، لا نحتاج نحن البشر إلى شيء بقدر حاجتنا للشعور أن حياتنا تستحق أن تعاش.. ويحق للفلسطينيين بعد كل هذا الموت أن يعيشوا.. أن يفرحوا ويكون الميلاد يوم ميلادهم من جديد. وملكوت الله "برد وسلام وفرح" في الروح القدس" (رو14: 12).. وفي القدس أيضًا.
اللوحة المرفقة مع النص للفنانة اللبنانية زينب فرحات.