سحر ضو
لبنان، كعضو في المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، ملتزم بمبادئ وقوانين المنظمة التي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في ملاحقة الجريمة. ومع ذلك، تطرح قضية تسليم المطلوبين تساؤلات عدة حول مدى استعداد لبنان للالتزام الكامل بقوانين الإنتربول، وخاصة مع وجود عوامل سياسية وقضائية تؤثر في هذا الملف.
الإنتربول يوفر إطاراً قانونياً للتعاون الدولي لملاحقة المطلوبين في الجرائم الجنائية الكبرى. يعتمد الإنتربول على "النشرة الحمراء"، وهي إشعار دولي يصدر بناءً على طلب دولة عضو لتحديد مواقع مطلوبين وتوقيفهم مؤقتاً، تمهيداً لتسليمهم.
ومع ذلك، يؤكد الإنتربول أن هذه النشرة لا تُعد أمراً إلزامياً بالتنفيذ؛ إذ تترك لكل دولة عضو الحرية في الالتزام وفق قوانينها المحلية.
بحسب القانون اللبناني:
الدستور يمنع تسليم المواطنين اللبنانيين إلى دول أجنبية.
يُسمح بتسليم الأجانب المطلوبين، ولكن ذلك يتطلب وجود اتفاقيات ثنائية أو دولية مصدق عليها.
تصريحات الخبير الدستوري سعيد مالك تؤكد أن لبنان ملتزم بالقوانين الدولية ولكن ضمن ضوابط السيادة الوطنية
هناك عوامل تُعقّد تسليم المطلوبين من لبنان رغم ارتباطه بقوانين الإنتربول:
القضاء اللبناني هو الجهة التي تُقرر في نهاية المطاف تنفيذ النشرات الحمراء أو رفضها، وغالباً ما يُعامل هذا الملف بحذر شديد بسبب الضغوط المحلية والدولية.
يُعد لبنان دولة ذات طابع سياسي حساس، ما يجعل القضايا الجنائية ذات خلفيات سياسية أكثر عرضة للتدخلات والضغوط. في حالات سابقة، امتنع لبنان عن تسليم بعض المطلوبين تحت ذريعة أن القضايا موجهة ضدهم لدوافع سياسية، أو أنها لا تضمن المحاكمات العادلة.
أي طلب تسليم يشمل خطر تعرُض الفرد المطلوب لمحاكمات غير عادلة أو تعذيب في الدولة الطالبة يواجه عوائق قانونية. لبنان يستند إلى المعاهدات الدولية التي تحظر التسليم في حال انتهاك حقوق الإنسان.
في قضايا اقتصادية وسياسية حديثة، مثل قضية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، كان لبنان متردداً في تنفيذ النشرات الحمراء التي طالبت بها دول أوروبية، مبرراً ذلك بانتظار التحقيقات المحلية أو عدم وضوح الضمانات القانونية المقدمة من الدول الطالبة.
كذلك، لم يسلم بعض الشخصيات ذات النفوذ السياسي المطلوبين في قضايا إرهاب أو فساد بناءً على اتفاقيات مع حلفاء دوليين.
رغم ارتباط لبنان بالإنتربول، فإنه يعتمد بشكل أساسي على:
القضاء المحلي: يبقى الحَكم النهائي في قضايا تسليم المطلوبين.
الحسابات السياسية: الدور الكبير الذي تلعبه التدخلات الداخلية والخارجية.
التوازن السيادي: سعي لبنان لحماية مواطنيه وسيادته دون تجاهل التزاماته الدولية.
لبنان ملتزم بقوانين الإنتربول من حيث المبدأ، لكنه غالباً ما يضع قيوداً واعتبارات محلية تعيق التنفيذ الكامل لطلبات التسليم. مستقبل الالتزام بقوانين الإنتربول يعتمد على تعزيز استقلال القضاء، وتحييد التدخلات السياسية، وضمان بيئة قانونية تحترم المعاهدات الدولية.