د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
بقدر ما أثار الهجوم العدواني الإسرائيلي على إيران، المخاوف من اندلاع حرب إقليمية، إلا أنه لفت الانتباه أيضًا إلى الدول التي تمتلك أسلحة نووية، وأماكن وجودها حول العالم. كما سلّط الضوء على المعايير المزدوجة للمجتمع الدولي الذي يغضّ النظر ويشيح بوجهه عن الترسانة النووية السرّية وغير المعروفة التي يملكها الكيان الغاصب. وتبعًا لذلك، حذّر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) هذا الشهر – وهو مؤسسة تُعنى بدراسة ضبط التسلّح – من أنّ سباق تسلّح نووي جديد قد يكون قاب قوسين أو أدنى.
ومن هي الدول النووية الحالية؟
اعتبارًا من أوائل عام 2025، هناك تسع دول تملك ما يُقدَّر مجموعه بـ12,241 رأسًا نوويًا، مع استحواذ روسيا والولايات المتحدة على الغالبية العظمى منها، وفقًا لمعهد ستوكهولم واتحاد العلماء الأميركيين (FAS) ـــ وهو منظمة غير ربحية تُعنى بتعزيز الشفافية بشأن الترسانات النووية ـــــ الذي يرجّح بدوره أيضًا أن تكون بريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل تملك جميعًا ما تبقّى من الأسلحة النووية، أي ما نسبته 13%، بحسب تقديرات FAS
والمثير، ودائمًا على ذمة اتحاد العلماء الأميركيين، أنّ بعض هذه الرؤوس الحربية أُخرجت من الخدمة، لكنها لا تزال سليمة ولم تُفكّك بعد.
أسوأ ما في الأمر، هو وجود حوالي 9,614 رأسًا حربيًا في المخزونات العسكرية يمكن تزويد بها الصواريخ والطائرات والسفن والغواصات، كما صنّف باحثو الاتحاد ما يُقدّر بـ3,912 منها على أنها "رؤوس حربية استراتيجية وغير استراتيجية منتشرة"، أي أنها إما موجودة على صواريخ عابرة للقارات أو في قواعد قاذفات ثقيلة، أو في منشآت عسكرية مزوّدة بأنظمة إطلاق قصيرة المدى عاملة.
الشفافية النووية... والاستثناء الإسرائيلي
في العادة تحتفظ الدول بسرّية الأحجام الدقيقة لمخزونها النووي، لذا لا يُمكن لمراقبي الأسلحة النووية والمحلّلين سوى تقديم تقديرات حول أرقام كل دولة. ولهذا كشفت جمعية العلوم الفيدرالية (FAS) عن تراجع الشفافية النووية في السنوات الأخيرة.
صحيح أنّ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا هي البلدان الوحيدة التي كشفت علنًا عن معلومات حول حجم ترساناتها النووية، استنادًا لمعهد ستوكهولم، لكن إسرائيل التي تُعدّ القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، تتبع سياسة عدم تأكيد أو نفي امتلاكها لأسلحة نووية، إذ يُقدَّر أنها تمتلك حوالي 90 سلاحًا نوويًا.
مخازن الدول في خدمة الترسانة النووية الأميركية
في وقت تمتلك تسع دول فقط أسلحة نووية، تستضيف أو تخزّن ست دول حاليًا أسلحة نووية على أراضيها لصالح دول أخرى – منها خمس دول توجد على أراضيها رؤوس وقنابل وصواريخ نووية تعود للولايات المتحدة، وبلد واحد يضمّ أسلحة لروسيا، والكلام هنا بحسب الخبراء.
بالمقابل، يُدير حلف شمال الأطلسي (الناتو) اتفاقية لتقاسم الأسلحة النووية، حيث تُخزّن الولايات المتحدة عددًا من الأسلحة النووية في مواقع محدّدة في أوروبا. صحيح أنّ الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين التزموا الصمت تاريخيًا بشأن أماكن وجود هذه الأسلحة – ولكن يُعتَبَر تخزينها في قواعد في إيطاليا وهولندا وألمانيا وتركيا وبلجيكا سرًا مُعلنًا على نطاق واسع.
أكثر من ذلك، تُخزّن الدول ما مجموعه حوالي 100 سلاح نووي تابع للولايات المتحدة داخل حدودها، وفقًا للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (ICAN)، وهي تحالف من منظمات تسعى إلى القضاء على الأسلحة النووية وحظرها. وفي هذا السياق، أكّد باحثو FAS أنّ اليونان لم تعد تستضيف أسلحة نووية للولايات المتحدة، ولكن لديها سرب احتياطي لمهام الطوارئ.
علاوة على ذلك، تخضع جميع هذه الأسلحة لسيطرة الولايات المتحدة، لكن تخزينها داخل هذه الدول الحليفة يُعدّ "وسيلة لضمان مشاركة الولايات المتحدة في الدفاع عنها"، وفقًا لما قاله لوكاس كوليسا، مدير قسم الانتشار والسياسة النووية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في بريطانيا.
وأكّد كوليسا أنّ تخزين الأسلحة مع دول أخرى يُعدّ أيضًا أداةً لمنع الانتشار. وقال: "إذا كانت هذه الدول تمتلك هذه الأسلحة من الولايات المتحدة على أراضيها، فلن تفكّر في الحصول على أسلحتها النووية الخاصة".
على المقلب الآخر، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس/آذار 2023 عن خطط لتخزين أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة. وبعد ثلاثة أشهر، زعم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، المؤيّد لبوتين منذ زمن طويل، أنّ بلاده بدأت استلام أسلحة نووية تكتيكية روسية.
ومع ذلك، أشار معهد ستوكهولم في تقريره لعام 2025 إلى أنه في حين واصلت كل من روسيا وبيلاروسيا ادعاء نشر أسلحة نووية في بيلاروسيا، "لم يكن هناك دليل قاطع على هذا النشر". كما أدرجت الحملة الدولية لحظر الأسلحة النووية (ICAN) كمية الرؤوس الحربية الموجودة في بيلاروسيا على أنها "غير معروفة".
في المحصّلة:
بناءً على ما تقدّم، وبالرغم من هذه الأرقام النووية المهولة على امتداد الكرة الأرضية، فإنّ الغرب المنافق لم يرَ سوى إيران، التي لا يوجد حتى دليل واحد على امتلاكها أسلحة نووية، باعتراف الاستخبارات الأميركية نفسها. لذا، بعد هذا العدوان، ستُعيد الكثير من الدول استراتيجيتها، وفي مقدمتها طهران، وربما ستضع في أولوياتها امتلاك سلاح نووي لحماية نفسها وشعبها من أيّ عدوان أمريكي ــ إسرائيلي مستقبلي.