محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
نعم، ما حصل مع الثنائي الشيعي خلال جلسة الاستشارات النيابية في قصر بعبدا كان انقلاباً على تفاهمات مسبقة تمت قبل انتخاب الرئيس جوزيف عون، ولكن، كيف يُفترض قراءة ما جرى، وماذا عن استخلاص العبر من كل ما يجري اليوم.
إزاء كل ما يجري ينبغي التأكيد على أن قواعد اللعبة السياسية في لبنان قد تبدلت منذ اللحظة التي سمح فيها الجميع للجنة خماسية دولية أن تتدخل في ملف رئاسة الجمهورية، بعد الفشل الذريع للبنانيين في إنتاج الحلول لأزماتهم الدستورية، وبالتالي حصل تبدل على مستوى اللاعبين الذين باتوا على مستوى إقليمي ودولي، ما يعني أن التعاطي يُفترض أن يكون مختلفاً إذ لا مكان لحلفاء وأصدقاء عندما تكون المصلحة قائمة، وما كان يسري على طريقة بناء التفاهمات مع الداخل لا يبدو أنه يسري على الخارج، وهذا الانقلاب بادرة أولى.
ثانياً، ينبغي على الثنائي تقدير موقف أصدقائه ؛ فأصدقاء الثنائي لهم مصالحهم والتي لا تلتقي في أحيان مع مصلحة الثنائي، وهذا ما يُلزم الثنائي وتحديداً حزب الله بإعادة النظر في خارطة تحالفاته وأسبابها وتوقعاته منها، وتثبيت ما يُريده من التحالفات بما يحقق مصلحة طرفي العلاقة، لا اعتبار أن المصلحة من التحالف ينبغي دائماً أن تكون له.
ثالثاً، ليس طبيعياً أن تتم مهاجمة أصدقاء الحزب من النواب السنة، وليس طبيعياً في هذه اللحظة التاريخية المفصلية وفي ظل كل ما يجري من تغيرات في المنطقة، أن تتوقع من النواب السنة مواجهة القرار السعودي كرمى لعيون الثنائي، فهؤلاء أبناء بيئاتهم ولا يستطيعون الخروج منها ببساطة، ومن يُريد أصدقاء في الشارع السني عليه تفهم وضعهم، كما وضع وليد جنبلاط في الشارع الدرزي.
رابعاً، لا يجب أن ننسى أن تحالف حزب الله في السياسة مع التيار الوطني الحر ومساهمته في وصول ميشال عون للرئاسة جعل كل القوى الأخرى تنتظر اللحظة المناسبة للرد وهي اليوم تعتبر التوقيت مثاليا لذلك، فحتى التيار أعلن من قصر بعبدا أن لا حلفاء له.
خامساً، المعركة اليوم سياسية، وهذه اللحظة تُغلق الباب على اتفاق الدوحة وما بعده، تماماً كما أغلق اتفاق الدوحة الباب على ما قبله، وعلى الثنائي خوضها بالسياسة حصراً، أما عند الوصول إلى مسألة السلاح فيجب أن تكون المقاربة وطنية ولمصلحة لبنان، وعند بروز نوايا مختلفة لمسألة السلاح أو "الوجود" يتم التعامل معها في وقتها وبالطريقة التي تناسب تلك النوايا، فالقوة لم تنته، ولكن استخدامها ينبغي أن يكون في الموضع الصحيح فقط.
سادساً، لم يكن خياراً موفقاً على المستوى الشعبي للثنائي أيضاً خوض المواجهة بأسماء غير مقبولة شعبياً، وبالتالي شاهدنا الشارع اللبناني كيف تعامل مع وصول نواف سلام وخسارة ميقاتي، وليس كل الفرحين فرحوا لأن انقلاباً على الثنائي حصل.
سابعاً، التنبه واليقطة لمواجهة مشاريع مشبوهة هو أمر مطلوب، خصوصاً أن المشروع المعدّ سلفاً للبنان ليس واضحاً بعد، ولكن بنفس الوقت المطلوب إفساح المجال أمام من يريد أن يحكم ليحكم، ضمن ضوابط احترام التوازنات في البلد والتي لا اعتقد أن رئيس الجمهورية بصدد ضربها لأنه يُدرك التبعات في بلد كلبنان.
ثامناً، هناك في جمهور الثنائي من شعر بالإحباط مما جرى، وهو ما لا يجب أن يحصل بانتظار القادم من الأيام، ففي حال كان المُراد للبنان بناء الحلول بشكل إيجابي ومنفتح، فعلى الثنائي ملاقاة الآخرين، وفي حال كان سلبياً ستتم مواجهته كما في السابق، والتذكر دائماً أننا في لبنان كنا قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاق ذل وعار مع إسرائيل، وما يجري اليوم ليس أصعب مما جرى قبل 45 عاماً.
تاسعاً، في مسألة المقاومة، فلا يجب أن ننسى أن المقاومة نتجت عن غياب الدولة، اليوم يقولون بأن الدولة تريد تحمل مسؤولياتها، فليكن، ولتُعطَ فرصة وكجزء من الدولة فليعمل الثنائي لإنجاحها، فإن نجحت فهذا الهدف تحقق وإن فشلت فهذه المقاومة حاضرة وستكون شرعيتها الشعبية اللبنانية مضاعفة.
عاشراً وفي الخلاصة، تعرض الثنائي لخديعة تم تمريرها ديمقراطياً، وعليه البحث اليوم في الأسباب والنتائج، ومقاربة المستجدات السياسية بعين مختلفة وبناء التصرف على أساس المصلحة، ومواجهة السياسية بالسياسة والقوة بالقوة، فلا يستطيع أحد إلغاء أحد، والحريص على عهد الاستقرار والازدهار يعلم أن التفاهمات مدخلاً لذلك، ومن يُريد الفوضى في لبنان فهو يعلم الطريق أيضاً.