محمد علوش - خاص الأفضل نيوز
زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان حملت رسائل سياسية مباشرة، تتجاوز الطابع الروحي والبروتوكولي، فكانت زيارة تستهدف الداخل اللبناني قبل أي جمهور آخر، وتضع النقاش الوطني أمام خيارين واضحين، إما إعادة بناء الدولة على أساس الشراكة والحوار، أو الانزلاق إلى صيغ تفكك طائفي لا مستقبل لها.
الرسالة الأساسية التي جاءت مع الزيارة هي التأكيد أن لبنان المتنوع لا يمكن أن يستمر من دون حوار داخلي جديد، يضمن مشاركة جميع المكونات في القرار الوطني، ويضع نهاية لمنطق العزل والانقسام والاحتماء بالخارج.
البابا خاطب اللبنانيين برسالة سياسية صريحة تقول أنه لا يمكن حماية لبنان إلا عبر دولة قوية، دستورية، عادلة، يشعر فيها المواطن بالكرامة والأمان الاجتماعي والاقتصادي، بدل أن يواجه خيار الهجرة القسرية وفقدان الأمل.
في هذا السياق، وبحسب مصادر سياسية بارزة، شكّلت دعوته إلى الحوار الوطني المباشر تحذيراً واضحاً لمن يروّجون لفكرة الانفصال أو الفدرلة الطائفية أو إقامة كيانات متجاورة بدل الدولة الواحدة، مشيرة عبر "الأفضل" إلى أن الرسالة قالت بوضوح إن أي محاولة للخروج من الإطار الوطني المشترك ليست مشروع خلاص، بل طريق يقود إلى الفوضى، خصوصا في منطقة تحكمها صراعات الهوية والحدود وشرعية القوة التي تقودها إسرائيل اليوم.
إن هذه الرسالة التي تهدف لحماية الكيان اللبناني من خطر التفتيت، يعني بوضوح أن الخطر الحقيقي على لبنان ليس تنوعه الداخلي كما يحاول البعض تسويق الأمر، بل الاحتلال والعدوانية الإسرائيلية التي تستنزف جنوبه، وتحاول فرض وقائع استراتيجية جديدة، مستثمرة الانقسام الداخلي والتشتت السياسي. وفي هذا المعنى، شكل موقف البابا دعما لحق لبنان في الدفاع عن نفسه وفي حماية سيادته، وإدانة لأي اصطفاف داخلي يصب في مصلحة الاعتداء الخارجي.
أما على مستوى النتائج المحتملة بعد انتهاء الزيارة، فالسؤال المطروح اليوم هو ما إذا كانت هذه الرسائل ستترك أثرًا فعليًا في المشهد السياسي العام، في الداخل اللبناني حيث بدت أن الحسابات الشخصية لبعض اللبنانيين تطغى على كل الزيارة وتداعياتها، وفي الخارج أيضاً، وخصوصا في ظل الحرب الإسرائيلية المفتوحة على لبنان. عمليًا، الزيارة أعادت، بحسب المصادر، وضع لبنان على الطاولة الدولية كملف يجب حمايته لا تركه وحيدًا أمام التصعيد، وهذا يمنح الطبقة السياسية في الداخل فرصة لالتقاط اللحظة، واستثمار الزخم المعنوي والسياسي لتخفيف الضغوط الخارجية، وتحصين الوضع الداخلي عبر تفاهمات توقف الانزلاق إلى الانفجار الشامل، وترى المصادر أنه إذا استطاع اللبنانيون تحويل المناخ الذي خلقته الزيارة إلى قرار وطني موحّد، فقد يشكّل ذلك عنصر ردع إضافي للاحتلال، الذي يراهن تاريخيًا على الانقسام الداخلي لفرض شروطه أو توسيع الحرب.
بالخلاصة ترى المصادر أن هذا هو مغزى الزيارة في توقيتها ومضمونها، فهي لمحاولة حماية لبنان بعيدًا عن الخطابات الانفعالية ونزعات الانفصال، والتشديد على ضرورة وجود قرار داخلي يعيد بناء الشراكة الوطنية ويحسم الصراع بين من يريد دولة للجميع ومن يريد دولة لطائفته وموقعه وحسابه الخاص.

alafdal-news



