د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
لم يكن التهاوي والسقوط السريع للنظام السوري هو المفاجأة الوحيدة للمراقبين والخبراء والدبلوماسيين من مختلف أصقاع الكرة الأرضية، بل ثمة صدمة أشد وقعًا وأكبر نزلت عليهم، وهي الموقف الروسي، وصمته المريب تجاه ما حصل، والطامة الكبرى هي تسليمه بالصفعة الاستراتيجية التي جلبها لنفسه، بعد خسارته نفوذه في هذا البلد الذي كان يعد موطئ القدم الوحيد لموسكو على المياه الدافئة.
فعلى مدار العقد الماضي، خدم أكثر من 63,000 جندي روسي في سوريا (بحسب موقع بي بي سي)، إلى جانب العشرات من الطائرات الحربية والقطع البحرية والبرية، التي كانت تتمركز في قاعدتين عسكريتين مهمتين هما: طرطوس البحرية، التي أُنشئت في عام 1971، وحميميم الجوية، التي بُنيت في عام 2015.
إشارة إلى أن طرطوس تعدّ القاعدة البحرية الرسمية الوحيدة لروسيا خارج الأراضي السوفيتية السابقة، وقد ساهمت بتعزيز الوجود الروسي هناك قبل غزو روسيا الكامل لأوكرانيا في عام 2022 من أجل "مواجهة وردع ومراقبة أي عمليات لحلف شمال الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط"، وفقًا لمعهد دراسة الحرب.
لكن بالرغم من الوجود الروسي الطويل الأمد في سوريا، فإن السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو: ماذا جنت روسيا؟ فالرئيس السوري الفارّ بشار الأسد، موجود حاليًا في المنفى في موسكو، بينما الحكومة الجديدة في دمشق تضع الكرملين في خانة الأعداء. حتى وإن سمحت الحكومة السورية الجديدة لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها البحرية والجوية الثمينة في سوريا (استجابة للرغبة التركية)، إلا أن العلاقة الخاصة بين روسيا وسوريا أصبحت من الماضي، وبالتالي فإن رحيل القوات الروسية مسألة وقت لا أكثر
وكيف خسرت موسكو سوريا؟
في الواقع، يمكن القول إن الأحداث في سوريا انتهت بطريقة مشابهة للأحداث في أفغانستان عام 2021. أما السبب فيعود إلى التدخل الروسي الفاشل في الحرب السورية.
وبناءً على ذلك، فإن إحدى الأخطاء التي ارتكبها الكرملين كانت المبالغة المفرطة في تقييم قدرات وإمكانات الجيش الروسي، وفشله الذريع في الخارج، بحسب روسلان بوكوف، مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات (CAST) في موسكو.
المثير، هو إقرار بوكوف في مقال بصحيفة "كوميرسانت" الروسية، بأن "موسكو لا تملك القوات العسكرية والموارد والنفوذ والسلطة الكافية للتدخل الفعال بالقوة خارج الاتحاد السوفيتي السابق. وبرأيه كان يمكنها أن تتصرف هناك في الواقع فقط انطلاقًا من التساهل الذي منحته لها القوى الكبرى الأخرى (خصوصًا الولايات المتحدة) التي لطالما سمحت بذلك.
ويذهب بوكوف وفي قراءته لما حصل بسوريا إلى أبعد من ذلك، بالتحذير من الأوهام التي وقع بها الروس قائلًا: "من الممكن تمامًا التظاهر بالقوة والقدرات وخداع الآخرين على الساحة العالمية، لكن من المهم ألا نصدق خداعنا الخاص أكثر من اللازم".
وإذ يلوم بوكوف روسيا لعدم تصرفها بشكل حاسم خلال تدخلها العسكري، يقول: "بمجرد إرسال قوات إلى سوريا، كان ينبغي عليها التأكد من فوز الحكومة السورية في الحرب". ويضيف: "بدلاً من ذلك، تم تقسيم سوريا: وانتهى نظام الأسد بإعادة تأكيد سيطرته على ثلثي البلاد، في حين استحوذت الجماعات الأخرى مثل: الأكراد و"داعش الإرهابية" والمسلحين المدعومين من تركيا على الباقي"
روسيا والقبول بتقسيم سوريا
في الحقيقة، وبخلاف ما ينظّر له أو يعتقد به كُثر، فإن القوة العسكرية الروسية في سوريا لم تكن كافية لهزيمة الجماعات المعارضة تمامًا، خصوصًا وأن قسمًا كبيرًا منها، كانوا يتلقون دعمًا عسكريًا وماليًا ودبلوماسيًا(وبعضهم ما زال حتى الآن) من لاعبين خارجيين أقوياء كالولايات المتحدة، وتركيا تحديدًا. وتبعا لذلك، واستنادًا لبوكوف، اضطر الجانب الروسي ومعه النظام السوري السابق، إلى الموافقة على تقسيم سوريا بشكل يعكس في جوهره هزيمة مؤجلة لأنصار الأسد.
بالنسبة لبوكوف، فإن نظام الأسد، باعتباره استبداديًا شرقيًا نموذجيًا، لم يكن بحاجة إلى "إصلاحات" للبقاء والحفاظ على الدعم الداخلي، بل إلى الرقص الاستعراضي على جثث أعدائه المهزومين.
ما يثير السخرية، أن موسكو كانت تعتقد أنها يمكن أن تجبر المتمردين على توقيع اتفاقية سلام لصالح روسيا. لكن من وجهة نظر بوكوف، فإن هذا منح القوى الخارجية – مثل الولايات المتحدة – فرصة للإيقاع بروسيا في مستنقع. وقال: "من الصعب أن نرى لماذا يجب أن توافق القوى الكبرى الأخرى على اتفاق وفقًا لشروط موسكو، وهذه الرغبات انتهت في النهاية لتكون مبنية على رمال.
وعلى العكس من ذلك، فإن محدودية الإنجازات العسكرية الروسية، لم تكن إلا تشجيعًا لأعداء روسيا لمحاولة الانتقام، من خلال زيادة تدخلهم وإرهاق الجانب الروسي بفرض تكاليف أكبر عليه.
من هنا، وبدلاً أن تضغط روسيا على الأسد لإحداث تغيير على مستوى الحكم، واحتواء المعارضة، سعت للحفاظ على "الواقع الفاسد وغير الفعال" لدعم "نظام الأسد المتعفن والمهزوز، لكن في النهاية، ومع اندلاع الحرب الأوكرانية، كان على العديد من القوات الروسية المرابطة على الأراضي السورية، العودة إلى الوطن بعد عام 2022، لدعم الجبهة مع كييف التي منيت بإخفاقات كارثية خصوصًا في السنة الأولى للصراع.
وبناءً على ذلك كتب بوكوف: "الجلوس على كرسيين (عدم القتال وعدم المغادرة) انتهى بشكل طبيعي بالسقوط عندما تم انتهاك هذا الوضع الراهن من قبل اللاعبين في جانب العدو".
في المحصّلة:
بعد الحروب الفاشلة في فيتنام والعراق وأفغانستان، اتفق العديد من الأمريكيين مع تقييم بوكوف للمغامرة الروسية في سوريا. حيث قال: "في العالم الحديث، النصر ممكن فقط في حرب سريعة وعابرة. إذا حققت الفوز بفعالية في غضون أيام أو أسابيع، ولكنك لم تتمكن من ترسيخ نجاحك بسرعة من الناحيتين العسكرية والسياسية، فستكون الخسارة هي النهاية الحتمية مهما فعلت.