نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
صدمة داخل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. صرخة من دنيس روس الديبلوماسي المخضرم، الذي كان يضع نجمة داود في مكتبه في وزارة الخارجية، هالته "ليلةالعار" في غزة.
الصقور داخل "الايباك" لم يكونوا يتوقعون أن تحكم إسرائيل بالإيديولوجيا القبلية لا بالإيديولوجيا الإلهية.
هل يمكن للمؤسسة العسكرية، ولطالما قيل أنها بقيادة "رب الجنود"، أي يهوه، أن تكون على هذا المستوى من الهلهلة، بالرغم من كل الإمكانات العملانية واللوجيستية، وبالنظر لنوعية الكليات التي تخرج منها الجنرالات؟ من كان موشي دايان يصفهم بالقياصرة !
على مدى ثلاثة أرباع القرن، لم تواجه الدولة العبرية مثل هذا المأزق ـ السيكولوجي بالدرجة الأولى ـ أحد الضباط قال "في غزة كنا نشعر في أكثر الأحيان، أننا نواجه مقاتلين هبطوا للتو من كوكب آخر".
التخلخل لم يقتصر على المؤسسة العسكرية، وحيث كانت استقالة رئيس الأركان الجنرال هرتسي ليفي على ذلك النحو الفضائحي.
الخطيئة الكبرى على عاتق المؤسسات الأمنية التي كانت تدّعي رصدها حتى حركة الذباب في القطاع.
آلاف التقارير وردت إلى رؤساء الأجهزة، ولا شك أن الإعداد لعملية "طوفان الأقصى" استغرق أشهراً، كذلك شبكة الأنفاق الهائلة بعشرات الكيلومترات، وفي مناطق خالية كلياً من التضاريس الطبيعية.
بعض مواقع التواصل إذ تحدثت عن "فائض الغباء" لدى تلك الأجهزة، استغربت كيف لم تعلق المشانق كما في أي بلد يدرك مدى حساسية أمنه الاستراتيجي وحتى أمنه الوجودي.
أسئلة من قبيل "ماذا لو تزامنت عملية جنوب إسرائيل التي قام بها الفلسطينيون مع عملية مماثلة في شمال إسرائيل يقوم بها رفاقهم اللبنانيون؟".
الإجابة "لا بواخر في المرافئ تتسع لنا، ولكن هناك الكثير من المقابر".
بنيامين نتنياهو هو من اختار رجله هاليفي لرئاسة الأركان.
وزيرا الدفاع يؤاف غالانت، وبعده يسرائيل كاتس، كانا يشتكيان من أن رئيس الأركان كان يتجاهلهما في الكثير من الأحيان بحجة "أنها الحرب، وحيث القرار لرئيس الحكومة لا لوزرائه".
عاموس هرئيل، المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" لاحظ كيف تم محو مناطق في غزة من سطح الأرض.
المشاهد بدت كما لو أنها مستوردة للتو من الجحيم.
أكد أن ما حدث لا يمكن أن يمحى من الذاكرة، لينتقل إلى ذاكرة الأجيال.
لم تعد إسرائيل، كما وصفها إسحق شامير بـ"قلعة يهوه"، ولن تكون "أمبراطورية يهوه".
ثمة أشياء كثيرة وانكسرت
كلام عن أن هاليفي ذهب ضحية نتنياهو الذي كان يفترض أن يتصدر لائحة المستقلين.
هذا رأي البنتاغون الذي نستشفه من مقالات تنشر في دوريات أميركية متخصصة، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ذهب أكثر بكثير مما ينبغي.
المشكلة أنه كان ماضياً في هذا الاتجاه، بتداعياته الكارثية على المصالح الأميركية لولا أن رفع دونالد ترامب في وجهه البطاقة الحمراء.
المثير أن هناك نواباً في أحزاب اليمين المتطرف يدعون إلى عدم الانصياع لأوامر الرئيس الأميركي لأنه الرجل المستعد لمبادلة الصفقات الاقتصادية بصفقات سياسية، أي أنه مختلف عن جو بايدن الذي كانت تحركه أفكاره الصهيونية ليس فقط للدفاع عن الأمن الإسرائيلي، وإنما أيضاً للدفاع عن التفوق الإسرائيلي، دون أن يكون معنياً بلغة السوق أو بثقافة السوق.
لا شك في أن ترامب لا يرى في الشرق الأوسط سوى إسرائيل.
كل الذين حوله لا يرون فينا سوى ركام بشري.
غالبية الرؤساء الأميركيين لم يجدوا فينا المجتمعات التي يمكن أن تتفاعل مع ديناميات القرن. كل مفكّري، ومنظّري اليمين الأميركي صوروا العرب بطريقة عدائية. لنتذكر نظرية صمويل هانتنغون حول صدام الحضارات (الحضارة اليهوـ مسيحية مقابل الحضارة الكونفوـ اسلامية).
ترجمة ذلك على الأرض، الصدام بين الديانات ودون أي اعتبار لمفهوم العولمة الذي أطلقه أستاذ التسويق في جامعة هارفارد تيودور ليفيت.
لكن تحليلاً لوكالة بلومبرغ يستخلص منه الفارق الكبير بين لغة وول ستريت ولغة الهيكل، هذا ما ينعكس على المسافة السيكوـ سياسية بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، حتى أن اليوت ابرامز الذي تولى مناصب مختلفة في وزارة الخارجية الأميركية والذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، يعتقد أن ترامب أكثر إدراكاً، وأكثر استيعاباً للمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية من نتنياهو الذي غالباً ما يبني سياساته، بما فيها سياساته العسكرية، وفق مصالح أو رغبات شخصية.
الغريب أن سلسلة الاستقالات العسكرية والأمنية المدوية لم تهز الكرسي الذي يجلس عليه بنيامين نتنياهو الذي يحاول، ثانية، الهروب من الضجيج الذي يلاحقه إلى الحرب.
لكن ترامب يقف عند الباب "أنا من يقرر متى الحرب ومتى السلام".
كولن باول وزير الخارجية في عهد جورج دبليو بوش، قال "كأميركي، مهمتي أن أكون بلطجي الحارة".
لا مجال للبحث عمن يكون بلطجي الشرق الأوسط...