كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
كان متوقعًا أن تصدر مراسيم تشكيل الحكومة نهاية الأسبوع الحالي، وأن تكون ولادتها "سلسة"، كما تمنّى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي سيكون شريكًا مع الرئيس المكلَّف نواف سلام، في أن تكون حكومة العهد الأولى، منسجمة مع خطاب القسم الذي رسم خارطة طريق، لما سيكون عليه لبنان، من خلال إرساء قوانين إصلاحيّة دستوريّة وقضائيّة وإداريّة واقتصاديّة وماليّة، بما يخرج لبنان من أزماته التي تعود أسبابها إلى نظامه السِّياسي الطَّائفي، وتوزيع السُّلطات طائفيًّا ومذهبيًّا، ممّا خلق ثقافة المحاصصة والمكاسب والفئويّة، وهو ما وضع لبنان مع أكثر البلدان فسادًا.
ويسعى كلّ من الرَّئيسين عون وسلام، إلى إنتاج حكومة مختلفة عن سابقاتها، وتكون بعيدة عن تأثير تصنيف الحقائب الوزاريّة، أو احتكارها لطوائف ومذاهب، لكنَّهما اصطدما بالواقع السِّياسي الطَّائفي، الذي سعى اتفاق الطّائف إلى إخراج لبنان منه، فصاغ بنودًا إصلاحيّة، كمثل إصدار قانون انتخاب خارج القيد الطَّائفي لتكوين سلطة وطنيّة، وأن تتمثَّل الطَّوائف بمجلس شيوخ، ثم بإلغاء طائفيّة الوظيفة، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطَّائفية، وتحقيق اللامركزيّة الإداريّة مع الإنماء المتوازن، لكن هذه البنود لم تنفَّذ وأهملت منذ ٣٥ عامًا، وأبقت لبنان في أزماته الدستوريّة والسِّياسيّة، وانتكاساته الاقتصاديّة والماليّة، وتراجع خدماته في المياه والكهرباء، وانكفاء مؤسَّسات الدولة عن الرِّعاية الصِّحيّة والتَّربويِّة والاجتماعيّة، وتقليص موازناتها، وهذا ما سهَّل على الفاسدين أن يقووا على القانون، فنهبت أموال المودعين في المصارف التي فقدت ثقة المواطنينَ بها، فأصيبت بحالة الشَّلل، وفقدت دورها الذي شغلته على مدى عقود.
من هنا، فإنَّ تشكيل الحكومة لا يخرج عن واقع التركيبة السِّياسيّة الطَّائفيّة، وشهد لبنان في تاريخه أزمات تشكيل حكومات وتأخرها، بسبب التَّعقيدات السِّياسيّة والطَّائفيّة اللبنانيّة، فظلَّ الرَّئيس الرَّاحل رشيد كرامي نحو تسعة أشهر لتشكيل حكومته في العام ١٩٦٩، كما اعتذر رؤساء حكومات عن التَّكليف، في حين أن حكومات سقطت طائفيًّا ومذهبيًّا قبل أن تصل إلى مجلس النُّواب، كمثل حكومة الرئيس أمين الحافظ الذي لم يحظ بغطاء من طائفته السِّنيّة، فألغت تكليفه قمَّة عرمون الإسلاميّة، بعد أن كلَّفه رئيس الجمهورية سليمان فرنجية في نيسان ١٩٧٣، وأن الدستور يعطي صلاحيات تسمية رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية، ونقلها دستور اتفاق الطائف إلى النّواب.
فالرئيس سلام، يتلقّى ضغوطات كثيرة من الكتل النِّيابيّة والقوى السِّياسية، ليأتي تشكيل الحكومة، وفق أهوائهم ومصالحهم السِّياسية والطَّائفية، والارتباطات الخارجية، حيث يحصل الثُّنائي حركة "أمل" و"حزب الله"، على ما كانا يفرضانه قبل التَّطوّرات التي حصلت خلال عام ونصف العام، من المواجهة العسكريّة مع العدوِّ الإسرائيليِّ، التي خسرها "حزبُ اللَّه"، ولم يعد قادرًا بسلاحه أن يستقوي على الداخل، وفق ما يؤكد رئيس حزب "القوّات اللّبنانيّة" سمير جعجع وحلفاء له، إذ يتمسَّكون برفض إعطاء وزارة المال للثُّنائي الشِّيعي، كما لا يقبلون أن تكون حكرًا لطائفة، حيث يقف الرئيس سلام أمام هذه العقدة التي حلَّها مع الثنائي، لكنه يلقى رفضًا من جعجع الذي يربط مشاركته في الحكومة بعدم الخضوع لشروط "حزب الله" الذي يصرُّ على مشاركته في الحكومة، التي يقترح من يسمُّون أنفسهم "تغييريون"، بأن تكون الحكومة خالية من حزبيين، وتضم كفاءات وأصحاب خبرة (تكنوقراط)، وأن يفرضها الرئيس المكلف على الجميع، بالتعاون مع رئيس الجمهورية الذي لا يريد أن يبدأ عهده بأزمة حكومية، قد تتحوَّل إلى أزمة سياسيّة ودستوريّة وميثاقيّة، إذا لم يتمثَّل فيها كل من "أمل" و"حزب اللَّه" وهما يمثلان كتلة نيابيَّة واحدة.
فالحكومة الموعودة، قد تتأخر في حل الأزمات التي كان من المتوقّعِ أن تواجهها، وقد يتدخّل الخارج لحلّها.