طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
لم يعد هناك أمام أي طرف لبناني أو إقليمي أو دولي ترف التجاهل أو غض الطرف، عما يحصل في المنطقة، إذ صار الجميع يحسبون لكل خطوة أو موقف يصدر من هنا وهناك ألف حساب، فالأمر بدأ منذ عملية "طوفان الأقصى" في تشرين الأول 2023، وما أعقبها حتى اليوم، لأن ما يجري هو في الواقع ترسيم جيوسياسي جديد للمنطقة بكل المعايير والمقاييس والأوزان، ويتوقع أن تنتج في المحصلة نظاماً إقليمياً جديدًا بمعادلات جديدة ستتضح شيئًا فشيئاً وفي وقت ليس ببعيد.
طالع المواقف والتصرفات الأميركية والغربية، وحتى غيرها وصولًا إلى المنطقة، يشير إلى أن النظام الإقليمي المرتقب يراد منه “ضمان أمن إسرائيل” التي يعمل بنيامين نتنياهو بدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على توسيعها لتصبح "إسرائيل الكبرى" في عمق الشرق الأوسط الذي توعد نتنياهو بـ"تغيير" وجهه، عندما شن حربه على قطاع غزة غداة عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول 2024.
لكن ما حصل بعد "الطوفان" أظهر أن إسرائيل ليست بكيان وإنما هي دور وظيفي أو في أحسن الحالات الولاية 52 من الولايات المتحدة الأميركية ولا يمكنها أن تبقى أو تستمر من دون الدعم الأميركي والغربي، والذي لولاه لكانت زالت بعد "طوفان الأقصى" وحتى ما قبله وعادت فلسطين التاريخية بكل جغرافيتها إلى أهلها الأصليين.
وكان ترامب قد وعد، خلال حملته الانتخابية بتوسيع إسرائيل، التي قال أنه لطالما رآها صغيرة المساحة، وهو كان قال قولته هذه أصلاً، عندما زار تل أبيب أيام ولايته الأولى، وها هو اليوم بدأ الخطوات الأولى في اتجاه توسيعها عبر الدفع بطريقة غير مباشرة إلى ضم قطاع غزة والضفة الغربية إليها لتتشكل "إسرائيل الكبرى" بل "نواة" إسرائيل الكبرى خصوصًا وأن المتطرفين الإسرائيليينَ من مسؤولين وعامة، يتحدثون منذ بداية الحرب على غزة عن أن لإسرائيل التاريخية أراضٍ في لبنان وسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية.
ولذلك فإن طلب ترامب الأخير من مصر والأردن إيواء الفلسطينيين من غزة "مؤقتًا" بحجة أن بيوتهم هدمتها الآلة الحربية الإسرائيلية وتحتاج إلى وقت طويل لإعادة إعمارها، هو ليس بطلب بريء على رغم طابعه الإنساني في الوقت الذي تستباح الضفة الغربية عسكريًّا، وتتزايد الضغوط الإسرائيلية على سكانها، لدفعهم للنزوح في اتجاه الأردن، فيما كان صدر عن مسؤولين في مكتب نتنياهو إثر فوز ترامب بالرئاسة الأميركية، أن الملف الأول الذي سيطرحه بعد دخوله البيت الأبيض، هو ضم الضفة الغربية لإسرائيل، ليعلن وزير المال المتطرف بسلئيل سموترتش، أن عام 2025 سيكون عام ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وقبله قال وزير الأمن القومي بن غفير أنه "لا يمكن للضفة الغربية أن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية".
وفي موازة ذلك جاء احتلال إسرائيل لأراضي سورية جديدة شمالي الجولان وأعلى قمة في جبل الشيخ، وصولًا إلى مسافة تقل عن 20 كيلومتر من دمشق لترفع من منسوب المخاوف من مخطط إقامة إسرائيل الكبرى، إذ لا يستبعد أن تعلن إسرائيل لاحقًا ضمها إلى إسرائيل، وهي كانت ضمت الجولان السوري المحتل أيام ولاية ترامب الأولى، والذي أيد هذا الضم، بعدما نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس التي تريدها إسرائيل أن تكون "عاصمة أبدية" لها.
في الوقت الذي لم تحرك السلطة السورية الجديدة أي ساكن بذريعة أنها لا يمكنها في الظروف التي هي فيها شن حرب أو القيام بأي عمل لاستعادة هذه الأرض مؤجلة الأمر إلى حين قيام دولة سورية مركزية قوية.
علمًا أنه قد يأتي الدور على لبنان، خصوصًا إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق حلمها بالسيطرة على الأراضي اللبنانية حتى الليطاني بل حتى صيدا التي يزعم الإسرائيليون المتطرفون التوراتيون والتلموديون أن حدود إسرائيل التوارتية تصل إليها.
في ضوء كل هذه التطورات والمعطيات بدأت الأنظار تتجه إلى زيارة نتنياهو لواشنطن تلبية لعوة ترامب إلى اجتماع يعقد بينهما في البيت الأبيض في الرابع من شباط.
ويقول متابعون أن هذا الاجتماع خطير لأنه سينسق الخطوات والمشاريع الأميركية ـ الإسرائيلية المشتركة المعدة للشرق الأوسط من قطاع غزة إلى الضفة الغربية إلى لبنان وسوريا( بعد سقوط نظامها) والعراق واليمن وصولًا إلى إيران، وبالإضافة إلى كل ذلك البحث في مستقبل "صفقة القرن" التي سيستأنف ترامب العمل على إنجازها، بعدما كانت جمدت بعد انتهاء ولايته الأولى، وتولي الديموقراطيين الرئاسة أيام الرئيس السابق جو بايدن.
ويتوقع المراقبون أن يتخذ ترامب ونتنياهو قرارات خطيرة تتعلق بمستقبل الأوضاع في المنطقة عمومًا في ظل مؤشرات تشير إلى أنه خلافًا لما يعلنه ترامب من شعارات بأنه يريد تحقيق السلام في المنطقةـ لأن تصرفاته حتى الآن تشير إلى أنه سيعمل لسلام يلبي شروط إسرائيل بالدرجة الأولى، ويجعلها "العصا الغليظة" التي يستعملها ساعة يشاء لابتزاز كل دول المنطقة ولا سيما منها الدول الغنية، وقد يكون السبيل إلى ذلك، تقسيم دول المنطقة إلى دويلات طائفية متناحرة، وقد تكون سوريا بداية الدول المراد تقسيمها على هذا المنوال في حال فشلت سلطة أحمد الشرع في إقامة نظام يلم أشلاء الدولة السورية ترابيًّا وبشريًّا.
على أن المؤشر العملي إلى ما سيكون عليه مستقبل المنطقة هو انسحاب إسرائيل من عدمه من الجنوب اللبناني بعد انتهاء الهدنة التي تم تمديدها أخيرًا بقرار أميركي من 27 كانون الثاني الجاري إلى 18 شباط المقبل.