د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
للأسف، لم يقتصر تبني مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن قبله صهره جاريد كوشنر، الداعي لتهجير الفلسطينيين من غزة وإنشاء "ريفييرا" جديدة على البحر الأبيض المتوسط على أنقاضها، على المتطرفين الفاشيين في إسرائيل، إنما وجد له صدىً واسعًا عند بعض الشخصيات الأمريكية أيضًا، الذين سارعوا إلى تأييده والإشادة به. وأبرز هؤلاء: ويليام إف. مارشال، المحلل الاستخباراتي والمحقق في القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية لأكثر من 35 عامًا.
الطامة الكبرى أن رؤية مارشال تتماهى وتتشابه بدقة مع طموحات صهر ترامب، جاريد كوشنر، القطب العقاري المعروف، الذي جاهر بنيّته تنظيف غزة والاستثمار فيها، تمامًا كما فعل عمّه الرئيس الأمريكي، الذي سلط الضوء مرارًا وتكرارًا، على مدار العام الماضي، على قيمة موقع القطاع على شاطئ البحر، مشيرًا إلى أنه قابل للتطوير.
ليس هذا فحسب، بل تغنّى ترامب بهذه البقعة الجغرافية المنكوبة يوم تنصيبه الشهر الماضي، حيث قال بعد وقت قصير من أداء اليمين: "إنه موقع رائع، على البحر، وأفضل طقس. كل شيء جيد، يمكن عمل بعض الأشياء الجميلة فيه".
مارشال وتحويل غزة إلى ملاذ مالي للمافيات العالمية
يذهب مارشال بعيدًا في تصوراته لغزة، حيث يشبّه موقعها بالملاذات المالية المفضلة مثل جزر كايمان (على البحر الكاريبي، إلى الجنوب من كوبا وغرب جامايكا، وهي إقليم تابع للمملكة المتحدة) ومنطقة كولون الحرة في بنما.
فالأثرياء التابعون لمافيات التهريب يحبون هذه المواقع، برأيه، لأنها تميل إلى أن تكون مراكز مالية حرة تسمح بإخفاء هوية حساباتهم المصرفية، فضلًا عن سهولة تأسيس الشركات الوهمية، كما أن اللوائح الأمنية فيها أقل صرامة بشأن معرفة العملاء، وبالتالي تعدّ واحة رائعة لجذب الثروة الشرعية والازدهار لسكانها.
وعلى غرار تلك الجزر، ونظرًا لموقعها الطبيعي على ضفاف البحر المتوسط وشواطئها الممتدة، يقترح مارشال تحويل قطاع غزة إلى جنّة مالية مشروعة، إلى جانب إقامة منتجعات لجذب السياح، مع كل ما يصاحب ذلك من ازدهار يمكن أن يفيد الفلسطينيين والشرق الأوسط الأوسع.
أما الأهم، فإن مارشال لم يكتفِ بالمزايدة على ترامب، إنما عمد إلى تطوير خطة الرئيس الأمريكي، من خلال وضعه عدة خطوات وتصورات عملية وصفها بالواقعية، ستساعد، من وجهة نظره، في تحقيق هدف ترامب بغزة، ويمكن إيجازها بالآتي:
1. تأمين محيط غزة من التهديدات الخارجية (لا سيما من حماس)، من خلال الحاجة إلى قوة عسكرية كبيرة لجعل المنطقة "ضيقة مثل الطبل". أما الجهة المؤهلة للقيام بهذه الوظيفة، فهي الجيش الأمريكي، ويفضَّل أن يتولى الأمر قوة أمريكية - إسرائيلية مشتركة.
2. إنشاء قوة شرطة داخلية لجعل المكان أكثر أمانًا من عالم ديزني. وهنا، البريطانيون أول من يتبادر إلى ذهن مارشال، الذي يسأل: "من لا يحب البريطانيين، بعد كل شيء؟" وبالرغم من تاريخهم المخزي في فلسطين، فإن معرفتهم بالمكان والناس تجعلهم أفضل كمرشحين للشرطة الداخلية. لذا، يمكن أن يُعرض على البريطانيين أيضًا حوافز لتقديم هذه الخدمة.
3. إنشاء نظام إداري وقانوني وتنظيمي يعزز الحرية الفردية، وسيادة القانون، والرأسمالية. فالقانون العام الإنجليزي من شأنه أن يدعم المجتمع. وقد قامت العديد من دول الملاذ المالي في جميع أنحاء العالم، مثل جزر فيرجن البريطانية وبليز، بسنّ قوانين شركات الأعمال الدولية، المصممة لجعل بلدانها مواتية للخدمات المصرفية العالمية، والاستثمار الأجنبي المباشر، والمعاملات المالية السهلة. وبناءً على ذلك، يدعو مارشال إلى جعل غزة معفاة من الرسوم الجمركية، مثل منطقة كولون الحرة في بنما، مع تمتعها بنظام ضرائب محدود جدًا أو غير موجود تمامًا.
4. تشجيع البنوك الغربية الكبرى على فتح فروع في غزة، كون الدول العربية الغنية بالنفط ستستفيد من هذا الوجود المالي، وكذلك إسرائيل. وحفاظًا على الشفافية، ستكون البنوك خاضعة لإجراءات وقوانين لمنع غسل الأموال غير المشروعة، ولكن دون قيود تعيق حركة التجارة. وهنا، يشير مارشال إلى نموذج هونغ كونغ قبل استيلاء الصين عليها، أو حتى سويسرا.
علاوة على ذلك، يطالب المحلّل الاستخباراتي بجعل الدولار الأمريكي العملة الرسمية للقطاع.
5. تعيين حكومة نزيهة تمامًا لإدارة المكان، على أن تتألف الهيئة الحاكمة من السكان المحليين الذين يؤمنون بالرؤية الرأسمالية الشاملة، التي تفرضها الولايات المتحدة. لكن، بمرور الوقت، ومع تطور اقتصاد القطاع، يمكن الترحيب بالسكان الفلسطينيين المسالمين الراغبين في المشاركة في "غزة جديدة" مزدهرة وآمنة.
6. إنشاء بنية تحتيّة للاتصالات السلكية واللاسلكية على مستوى عالمي، تنافس أفضل دول الغرب، إضافةً إلى إنشاء مطار على أعلى المستويات، قادر على التعامل مع شركات الطيران العالمية.
7. بناء مبانٍ سكنية عالية الجودة لإيواء السكان المحليين المشرَّدين، الذين سيوفّرون معظم العمالة للشركات التي تهدف الخطة إلى جذبها.
8. بمجرد الانتهاء من كل ما سبق، يقترح مارشال على مطوِّري المنتجعات ومشغِّلي الموانئ وخطوط الرحلات البحرية وغيرهم من العاملين في قطاع الضيافة الاستثمار في هذا القطاع، وجعله وجهة سياحية رائدة. وهذا من شأنه أيضًا أن يوفر قاعدة دخل مهمة للفلسطينيين. وماذا عن مقومات نجاح هذه الطروحات؟
من الواضح أن هذه الخطة تحتاج إلى تعديلات، وإلى مفاوضات بين العديد من الأطراف (وخاصة الفلسطينيين)، كونها تنطوي على مخاطر مادية ومالية. ومع أن مارشال يستشهد بتجربة أمريكا الفاشلة في العراق، ويقرّ بأن القليل من الأميركيين يؤيدون بناء الدول، إلا أن رؤيته تتعلق ببناء مدينة، وليس أمّة.
ويعطي مثالًا على ذلك لوس أنجلوس، التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة قطاع غزة، وضعف عدد سكانها. وتبعًا لذلك، يعتبر مارشال أن المنطقة صغيرة بما يكفي لتأمينها، خصوصًا وأن إسرائيل محاطة بها من جهتين، ومصر من جهة ثالثة، والبحر الأبيض المتوسط من جهة رابعة.
زد على ذلك، أن إسرائيل ومصر تُعدّان حليفتين قويتين للولايات المتحدة، ولهما مصلحة راسخة في رؤية قطاع غزة ينعم بالسلام والازدهار. كما أن هاتين الدولتين تدينان بالفضل للولايات المتحدة بسبب المساعدات المالية والعسكرية الهائلة التي قدمتها لهما على مدى عقود.
في المحصّلة:
يخلص مارشال إلى أنه بدلاً من إنشاء "ريفييرا" جديدة، سيكون من الأفضل للرئيس ترامب أن يفكر في إنشاء "سويسرا الشرق الأوسط" الجديدة، مشدّدًا على ضرورة الاستفادة من خبرته الواسعة كمطور عقاري.
والمفارقة أن مارشال لا يرى في ترامب سوى "المنقذ" الذي يسعى إلى حل مشكلة جيوسياسية مستعصية.
وإذ يعتبر مارشال أن الفقر واليأس اللذين يعاني منهما الشعب الفلسطيني على مدى عقود، جراء السياسات الفاشلة من جانب حكوماتهم وحكومات جيرانهم والغرب، يستلزمان اتباع نهج جديد ومختلف تمامًا، يختم قائلًا: لدينا أخيرًا رئيس يتمتع بالرؤية والجرأة لإعطائه فرصة.