نبيه برجي - خاصّ الأفضل نيوز
مؤتمر وطني في قصر بعبدا
الآن لا غداً، وأهم من أي شيء آخر، لبنان في مأزق وجودي.
البعض يرى أن المشكلة تنحصر في سلاح "حزب الله". تلقائياً تقوم جمهورية أفلاطون، كما لو أن الآفات السياسية، والطائفية لا تفتك حتى بعظامنا.
مشكلتنا ليست فقط في كيف ننظر إلى إسرائيل، أيضاً كيف تنظر إلينا إسرائيل، آخذاً بالاعتبار الاختلال المروع في موازين القوى، وعلى كل المستويات، وبوجود "مؤسسة يهودية" تعمل أخطبوطياً، بتأثير هائل على الطبقات العليا في الكرة الأرضية.
نحن أمام ظاهرة توراتية ـ إسبارطية ترى أن "ميثاق يهوه"، وبذلك الشبق الدموي المروع، يتعدى ميثاق الأمم المتحدة، ناهيك عن كل المواثيق، والوثائق التي تحكم العلاقات الدولية.
مقابل ذلك، هل حاول اللبنانيون، لا سيما القادة، أن يعلموا ما هو لبنان كدولة، وكحالة، وكنموذج.
كنا قد عدنا إلى كتاب "الأرض والكتاب" (1870) للإنجيلي الأميركي وليم طومسون الذي زار لبنان عام 1833، وحيث يصف لنا المشهد الطائفي عندنا، بثقافة الكراهية، وثقافة الزبائنية، وثقافة التبعية في أجلى صورها، لنظل في اجترارنا للقرن التاسع عشر، إن بحفر القبور أو بحفر الخنادق. رعايا وضحايا لملوك الطائف.
لنتذكر قول المتصرف واصا باشا الذي حدد ثلاث آفات تأكل الأخضر واليابس في لبنان. السياسة، والطائفية و... الماعز!
الكل بات يعلم أن إسرائيل بقيت في التلال الخمس لا من أجل المراقبة والاستطلاع، وهي التي ترصد الكترونياً ما يجول في رؤوسنا، كما أزالت ذلك الشريط من البلدات الحدودية من الوجود لإقامة منطقة عازلة، تستخدم، إضافة إلى الغارات الجوية، والاستمرار في عمليات الاغتيال، كأوراق للضغط التكتيكي، أو الاستراتيجي.
باختصار، لا إعمار ولا عودة للأهالي، وهي وعود أقرب ما تكون إلى الكوميديا السوداء (التراجيديا السوداء) قبل التطبيع.
البيت الأبيض أعطى الضوء الأخضر وأكثر ...
كثيرون يقولون أن مصر هي كبرى الدول العربية وأقواها، وقعت اتفاقية كمب ديفيد عام 1978، مع مناحيم بيغن الذي يعتبر الأب اللاهوتي والعملاني لليمين الإسرائيلي.
كما أن الأردن، وهو الضفة الشرقية، وقع عام 1994 اتفاق وادي عربة، في حين أن منظمة التحرير الفلسطينية بدأت بتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993، كما لو أنها تدفن القضية لا الثورة ولا الانتفاضة الفلسطينية فقط، تحت الورود وتحت الثلوج الاسكندنافية. ولكن في مصر دولة وشعب موحد، وفي الأردن دولة تحت المظلة الأميركية، وبسلطة قوية، لنلاحظ ما كان تأثير اتفاق أوسلو الكارثي على الفلسطييين الذين يعيشون ذروة الانقسام في ما بينهم، دون أن يكون هناك "هو شي منه فلسطيني" يوحد 14 فصيلاً فيتنامياً للمقاومة تحت راية واحدة، واسم واحد "الفيتكونغ".
لماذا لبنان وحده الذي دحر الاحتلال عام 2000، ومزق اتفاق 17 أيار 1983، لا يزال خارج دومينو التطبيع الذي يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب استئنافه، وبعصا الكاوبوي لا بعصا المايسترو فور إقفال الملف الأوكراني؟
لبنان دولة مركبة طائفياً.
لوحة فسيفسائية، وقد تحولت أكثر من مرة إلى لوحة دموية على غرار اللوحة الشهيرة لبابلو بيكاسو "غرنيكا". دون أن تكون هناك، وفي أي وقت من الأوقات، دولة تنتزع من رؤوس الرعايا الترسبات التاريخية والطائفية لتبقى هكذا في سراويل القناصل، ساحة للصراعات العبثية، وهذا ما أوصلنا إلى الحالة الراهنة التي وضعتنا أمام الخيارات الصعبة إن لم تكن الخيارات القاتلة...
نحن دولة عارية. الآن تحت المظلة الأميركية. يعني أننا لا نزال الحلبة المشرعة للصراعات الجيوسياسية والجيوستراتيجية على أنواعها، مع اعتبار ما يحدث في سوريا وانعكاسات ذلك على لبنان، خصوصاً مع التصميم الإسرائيلي على تفكيكها على غرار ما حدث منذ نحو قرن على يد المفوض السامي الفرنسي الجنرال هنري غورو، ولكن هذه المرة مع دخول العنصر الإثني (الكردي) على الخريطة.
لبنانياً، الخطير التصدعات الداخلية، البنيوية بين الطوائف، ما يمكّن إسرائيل من اللعب بالرؤوس، والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة على لبنان. من زمان وثمة رؤوس يعرف القاصي والداني أنها مطروحة في المزاد العلني.
بند رئيسي "استراتيجية للأمن القومي أو الوطني". هذا لا يمكن أن يتحقق على الصعيد العسكري حين تكون هناك دولة على تخومنا الجنوبية بحمولة إيديولوجية احترفت صناعة الدم، ودون أي اعتبار للحد الأدنى من الحس البشري، ما بدا جلياً في لبنان، وفي غزة، وفي الضفة، وبترسانة عسكرية هي بين الأكثر قوة في العالم، إذا ما وضعنا جانباً مئات الرؤوس النووية الجاهزة للإطلاق عند أي خطر، إذا ما عدنا إلى ما فعلته غولدا مئير خلال الأيام الأولى من حرب 1973.
حماية لبنان بوحدة اللبنانيين. هذا لا يمكن أن يتحقق في ظل التأجيج السياسي، والتأجيج الطائفي، وإنما بإعادة بناء الدولة بمفاهيم ومعايير فلسفية تتعدى منطق الطائفة إلى منطق الوطن، وإلا يكون التطبيع الذي قد يدق الباب، في أي لحظة، الطريق إلى السقوط في السلة الإسرائيليّة، إذا ما عدنا ثانية إلى ما ورد في المزمور 29 / 6 "صوت الرب يحطم أرز لبنان... يجعل لبنان يقفز قفز العجل... صوت الرب يقد شهب النار".
التطبيع في أوضاعنا المترهلة والمتردية، يعني أن تبتلع إسرائيل لبنان.
في القاعة ثمة من يصفق...!!