ليديا أبو درغم - خاصّ الأفضل نيوز
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ازداد غرور السلطة لدى الأحزاب الأوروبية الكبرى، الذي جعلها لا ترى الواقع بصورة سليمة، ما ولّد ساسة ليسوا بذات الكفاءة التي كان عليها السياسيون في أوروبا، ما قاد إلى أزمة القيادة فيها، في وقت بات خطاب اليمين المتطرف في أوروبا يدغدغ المشاعر، وبالتالي يكتسب يومًا بعد يوم مساحات جديدة في ألمانيا وفرنسا وهولندا والمجر والنمسا، بعد ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم كنتيجة طبيعية للحرب الروسية الأوكرانية، فحقق المزيد من المكاسب في الانتخابات المحلية وفي انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2024.
دفعت تداعيات الحرب في أوكرانيا نحو إعادة صياغة توازنات القوى داخل الاتحاد الأوروبي؛ حيث أصبح لجيران أوكرانيا الأوروبيين صوت مرجح في تحديد مسائل مهمة في سياسات الاتحاد، كالأمن والدفاع والتوسع شرقاً، وجمع المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا، وفرض العقوبات على روسيا، وتعديل خريطة الإمدادات الطاقوية الأوروبية. وجاء هذ التغيّر في موازين القوى على حساب كل من باريس وبرلين؛ نتيجة إظهارهما بعض التردد في مسألة التصدي لهجوم بوتين على أوكرانيا؛ حيث بقيت باريس، ولفترة طويلة، مؤمنة بقدرتها على لعب دور الوسيط بين الطرفين الروسي والأوكراني، فيما تم انتقاد ألمانيا لاعتبارها أن التجارة والتبادلات الاقتصادية مع روسيا ستدفعها إلى تغيير سلوكياتها التوسعية، على الرغم من كل التحذيرات الصادرة حول نوايا بوتين الحقيقية.
وتعمّقت أزمة القيادة في أوروبا مع تحوّل حرب غزة إلى محور العالم سياسيًا، حيث كانت هذه الحرب الأكثر حشدًا في تاريخ "إسرائيل"، عسكريًا وسياسيًا، وأدرك السياسيون الغربيون حجم ورطتهم عالمياً في تلك الحرب أخلاقياً وإنسانياً التي عمّقها تشابك المصالح الداخلي بين لوبيات "إسرائيل" ونخبة السياسة الغربية، الذي لا يكفي وحده لفهم هذا الانحسار القيمي والإنساني. فثمة أسباب أخرى تأتي في سياقات الأزمات الدولية المتلاحقة ترتبط بفقدان العالم نفسه للقيادة.
يشكّل الاتحاد الأوروبي مؤسسة اقتصادية كبرى، لكنه يفشل في السياسة الخارجية التي تحكمها بيروقراطية الإجماع، ما يجعله عاجزًا عن بلورة أدوار سياسية من معظم قضايا الشرق الأوسط تليق بموقعه التاريخي والجيوسياسي، وخاصة إن تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.
وفي المقابل، تبدو قيادة الصين وروسيا ذات حضور ما في السياسة الدولية، لكن هذه القيادة لا تنخرط كفايةً في عُقَد المنطقة، وخاصة الملف الفلسطيني- الإسرائيلي. فالصين تحاول الانخراط عبر مسار التجارة الدولية، وتبدو كمن يُؤْثر الابتعاد عن البوابة السياسية؛ لحماية ذلك المسار.
أمّا روسيا فهي تخوض معركتها الكبرى مع الغرب في أوكرانيا، والتي قد تحدّد دورها المستقبلي لعقود قادمة.
الأجواء الأوروبية في حالة من التوتر، كون الدفاعات العسكرية والخطط المشتركة الأوروبية محل انتقاد داخلي، فهل تتعقمق أزمة القيادة؟.