محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
قبل انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان سُئلت في أحد البرامج التلفزيونية عن توقعاتي بخصوص مستقبل لبنان بعد انتهاء الحرب، فقلت أن المستقبل يعتمد على أمرين، النظرة إلى الطائفة الشيعية، والضغط الدولي القادم ومدى القدرة على تحمّله.
انتهت الحرب، ولم تخرج إسرائيل من الجنوب ولم تُوقف عملياتها العسكرية والأمنية ولا يبدو أنها ستوقفها قريباً، وجاءت الانتخابات الرئاسية التي شكلت الصورة التي سيكون عليها المستقبل، وبعدها الاستشارات النيابية لاختيار رئيس الحكومة فتوضحت الصورة أكثر، ومن ثم حادثة الطيران الإيراني في مطار بيروت فأصبح المشهد ناصع الوضوح، فما يجري اليوم هو حرب سياسية على مكون، ليس طائفي فحسب، بل مؤمن بفكرة المقاومة بوجه إسرائيل ومشروعها الوحشي للمنطقة.
انتهت جولة ولم تنته الحرب، فما يتعرض له الحزب اليوم وبيئته جزء من حرب ولكن بشكل مختلف قليلاً، والفكرة أن الحرب تطاول كل الطائفة الشيعية، لأن من يخوض الحرب لم يميز بين حزب وآخر داخل هذه البيئة وخارجها، فما يهمه كل مؤمن بالمقاومة وفكرها.
يتلاقى بعض الداخل مع الخارج في مشروع الحرب هذا، فهؤلاء من قصدتهم عندما تحدثت سابقاً عن النظرة إلى الطائفة الشيعية، فمن ينظر إليها اليوم نظرة المهزوم، ويُريد فرض الشروط والأوامر عليها، يساهم بتأجيج الوضع، بينما يسعى البعض لتدوير الزوايا الحادة في بعض المشاريع الخارجية، وتطمين الساحة الشيعية بأن ما يجري ليس حرباً عليها ولا حصاراً، لتعود الوقائع وتؤكد أن أمراً ما تبدّل، ولكن هذا لا يعني أن نفسر كل ما يجري بسياق الحرب هذه.
بدا لافتاً خلال الساعات الأخيرة تفسير كل حدث يجري بسياق الحرب على الطائفة، ولكن الواقع ليس كذلك ولا داعي للغرق في هذه التفسيرات، فعلى سبيل المثال لم يكن الموقف الذي تعرضت له الصبية التي ترفع صورة السيد الشهيد حسن نصر الله في مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي موقفاً رسمياً، بمعنى لم يكن جهازاً رسمياً من طلب عدم رفع الصورة بل أحد الموتورين، وهم كثر في هذه المرحلة، وبالتالي لا داعي لتصوير المسألة وكأنها تندرج في سياق المشروع الغربي، بل هي اجتهاد غبي من قبل أحدهم يرفع منسوب التوتر في البلد، مثله مثل كثر يمارسون الفحشاء الفكرية على وسائل التواصل، بعضهم يتحدث بحقد، وبعضهم بغباء، وغيرهم بعقول لا يحملها طفل صغير لم يبلغ الحلم.
كذلك قبل هذه الحادثة صدر بيان من قبل المشغلين لمطار بيروت لأجل زيادة بدل العمل يوم التشييع، وتم اعتبار المسألة جزءاً من الحرب، ولكنها ليست كذلك، فهذا البيان صدر مثله تماماً خلال أيام الحرب، ويصدر مثله تماماً عندما يكون هناك استحقاقات كبرى، فهو أمر روتيني وطبيعي لضمان سير المرفق العام.
في الأيام المقبلة سيكون هناك معارك سياسية كبرى، من التعيينات إلى غيرها وصولاً للانتخابات النيابية التي أرى أنها ستكون تاريخية، لذلك ينبغي التحضير لها بشكل جيد، فالحرب قائمة، نعم، ولكن ليس كل ما يحصل يأتي في إطار تجلياتها، لذلك أدعو لتوجيه الأنظار إلى حيث يجب توجيهها وعدم التلهّي ببعض الأمور التي لن تقدم أو تؤخر، مع العلم أن الطائفة الشيعية اختبرت حروب الإلغاء منذ مئات السنوات، واستمرار التضييق بوجهها اليوم سيُعتبر بمثابة حرب وجودية جديدة، وهذا ما سيساهم بشدّ عصب البيئة لا خرقها كما يسعى إليه البعض.