طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
ينغمس حزب الله في هذه المرحلة، ومنذ ما قبل توقف إطلاق النار الذي لم تلتزمه إسرائيل وبعده، في ورشة واسعة النطاق داخل التنظيم وخارجه لتقويم كل ما حصل والاستعداد للمرحلة الجديدة، خصوصًا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة ونيلها الثقة وسط وعود بإيجاد حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من أراض لبنانية دخلتها إسرائيل تحت جاح وقف إطلاق النار وأمعنت تدميرًا لكل معالم الحياة فيها.
وفي ظل هذا الوضع يدرك الحزب أن الهدف الأميركي ـ الإسرائيلي للقضاء عليه ما زال قائمًا وقيد التنفيذ، ولذلك هو يشعر أنه ما زال يتعرض لكل أنواع الهجمات في الجنوب وكذلك في الهجوم العسكري الأخير الذي حصل عبر الحدود الشمالية مع سوريا والذي وجد فيه محاولة لإطباق الحصار عليه، وأيضًا في الهجوم أو "الانقلاب السياسي" الداخلي عليه في كافة الاستحقاقات، لكنه تمكن حتى الآن من استيعاب كل ما جرى وامتص الموجة والآن يحاول الانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم ليستقر في منطقة وسطية يستطيع أن يتفاعل فيها قدر الإمكان مع جميع الأطراف أقله في هذه المرحلة الانتقالية الفاصلة عن استحقاق الانتخابات البلدية وهذا الربيع والانتخابات النيابية في الربيع المقبل.
ويدرك حزب الله، حسب المطلعين على موقفه، أن الطرف الأميركي هو راعي الهجوم السياسي وعليه داخليًّا وخارجيًّا أن يسعى عبر حلفائه الداخليين إلى تحقيق المزيد من المكاسب السياسية في الاستحقاقات المقبلة سواء في التعيينات الإدارية وغيرها أو في الانتخابات البلدية حيث يطمح لأن تكون نتائجها مؤشرًا إلى ما سيكون عليه واقع الحزب في الانتخابات المقبلة فإذا حقق خصوم الحزب نتائج مهمة في الانتخابات البلدية فسيبنون عليها للانتخابات النيابية. أما إذا فشلوا وبقيت الحال على ما هي فعندها تكون قد حصلت انتكاسة في غير مصلحتهم في مواجهة الحزب.
وفي رأي هذه الأوساط أن حزب الله "أثبت في تشعييع أمينيه العامين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين أنه ما زال موجودًا وقويًّا، وقد بدأ ورشة إعادة هيكل نفسه ومواجهة استحقاقات إعادة الإعمار والانتخابات البلدية والنيابية، وكذلك إعادة الفعالية لحضوره على الصعيد السياسي، ويدل إلى ذلك حراكه السياسي النشط في مختلف الاتجاهات، وهو يعمل الآن على إعادة تأهيل تحالفاته السياسية العابرة للطوائف إلى جانب تحالفه الثابت والراسخ مع حركة "أمل" مع أنه يدرك صعوبة إقامة تحالفات مع قوى أخرى نتيجة التهديدات التي لا يزال يتعرض لها، ولهذا ستبقى اهتماماته داخلية وخارجية".
وتعتبر الأوساط نفسها "أن الحديث عن انكفاء الحزب إلى الداخل إنما يفتقر إلى الواقعية والمنطقية، خصوصًا وأنه يرى أن التحديات الخارجية التي تواجهها المنطقة كبيرة في ظل الحديث المتجدد عن التطبيع في الوقت الذي بدأ بعض الوجوه السياسية اللبنانية تتحدث عن احتمال امتداده إلى لبنان خصوصاً وأنه يترافق مع حديث مشاريع تقسيم لبعض دول المنطقة، الأمر الذي سيبقي الحزب مهتمًّا بما يجري في الخارج". ويقول يعرفون أنه خلافًا لاعتقاد البعض فإن موارد حزب الله المالية متوافرة بما يكفي لإعادة الإعمار وغيره من المجالات، وأنه عسكريًّا ما يزال يملك السلاح الثقيل خلافًا لما يتم الترويج له من أن هذا السلاح قد دمرته إسرائيل في الحرب الأخيرة على إعادة بناء قدراته العسكرية على الرغم من الاعتداءات الإسرائيليّة المستمرة عليه.
أما بالنسبة إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي للتلال الخمس في المنطقة الجنوبية الحدودية وجوارها، فتقول الأوساط المطلعة على موقف حزب الله، إن هذا الأمر يندرج في إطار سعي إسرائيل إلى إقامة مناطق عازلة مع مختلف دول الجوار، لكن من يعرف الطبيعة الجغرافية لتلك التلال، يدرك أنها من الناحية العسكرية لا أهمية لها لحماية الأمن الإسرائيلي، ولذلك فإن الحزب لا يقاربها على أنها ترتبط بواقع أمني ـ عسكري وإنما يريد الأميركيون والإسرائيليون استخدامها لعقد معاهدة سلام بين لبنان وإسرائيل على طريقتهم.
لكن ما لا يلتفت إليه الأميركيون تحديدًا، هو أنهم بضغطهم على السلطة اللبنانية في هذا المضمار إنما يقوون منطق حزب الله وموقفه في الداخل، ولذلك فإنهم مع الوقت سيصلون إلى اتخاذ قرارات أكثر واقعية، ويطلبون فيها من الإسرائيلي الانسحاب من هذه التلال الخمس، لأن إذا كانت هناك أهمية لها فهي شبه معدومة لأن التكنولوجيا الحربية الحديثة وطائرات الاستطلاع في إمكانها أن تؤمن المراقبة الدائمة والشاملة للأراضي اللبنانية.
على أن الاميركي الذي أوصل من يريد إلى السلطة في سوريا بعد سقوط النظام السابق، لم يرفع العقوبات عنها كما أنه لم يغيّر عمليًّا في التعاطي مع لبنان ترجمة لدعمه للسلطة اللبنانية الجديدة التي نشأت برعايته ورعاة المجموعة الخماسية عمومًا، فدفتر شروطه للبنان شبيه بدفتر شروطه لسوريا، بحيث أنه إذا نحا لبنان نحو السلام تنحو سوريا والعكس صحيح.
أما في ظل الوضع الحالي فلن يتغير شيء على أرض الواقع، وإذا اتخذت إجراءات تعوق إعادة الاعمار، ففي هذه الحال يمكن لبيئة حزب الله أن تنزل إلى الشارع وتوجه سورة غضبها إلى كل من يعوق إعادة الأعمار في الداخل والخارج.
لكن الأميركيين وغيرهم يدركون خطورة هذا الأمر إذا حصل، مثلما يدركون أن الأموال المطلوبة لإعادة الإعمار ستصل في النهاية بكل الوسائل المتاحة وخصوصًا من خلال الساعين إلى الربح المالي.